تقرير خاص/ وليد عبد الواسع
بدا الشهر الفضيل، وفي أول يومين منه، وقد غابت الفرحة
والبهجة المعتادة على أسر كثير من المختطفين، في حين تنتظر قدوم أعزاء لها غيبوا
خلف زنازين سلطات تحالف الانقلاب "الحوثي- صالح"..
فيما الذكريات الجميلة لأعوام مضت عاشها هؤلاء المغيبين
خلف القضبان مع أهاليهم، تحولت إلى ذكريات أليمة وغصة حارقة لأسر تنزف وجعها لأهِلة
غابوا سنوات ثلاث بين وحشة الزنازين وظلم السجان..
في اليمن، البلد المسلم، طالماً كان شهر رمضان
المبارك يمثل فرصة للإفراج عن السجناء، وكثيراً ما كانت أسر تنتظر رمضان من كل عام
لتحظى بعودة أعزاء لها من خلف القضبان..
لكن ذلك لم يحدث هذا العام، في ظل سلطة صنعاء، التي تعج سجونها بآلاف المعتقلين والمختطفين والمخفيين قسرياً.
سرت العادة في مختلف البلدان المسلمة، ومن بينها
اليمن، خلال شهر رمضان الفضيل أن تفرج الحكومات عن السجناء أو تعفو عنهم.
وهو ما أكدته منظمة دولية معنية بحقوق الإنسان بأن
شهر رمضان المبارك، يتيح لأطراف النزاع المسلح فرصة لمعالجة المعاملة غير المشروعة
للمحتجزين.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه "من الشائع
أن تفرج الحكومات في البلدان ذات الأغلبية المسلمة عن السجناء أو تعفو عنهم خلال شهر
رمضان".
وطالبت قوات الحوثي- وصالح والقوات الحكومية أن تطلق
سراح المحتجزين تعسفا، وتضمن للمحتجزين إمكانية الاتصال بمحامين وأفراد أسرهم، وتكشف
عن مصير المختفين قسرا أو مكان وجودهم.
وأكدت أن على القوات أيضا أن تطلق سراح الأطفال وغيرهم
من المحتجزين دون داع، ومحاسبة المسؤولين عن سوء المعاملة.
معالجة قضايا المحتجزين
المنظمة الدولية المعنية بحقوق الإنسان طالبت الأطراف
اليمنية بمعالجة وضع المختطفين والمحتجزين قسرا وأسرى الحرب، بالتزامن مع دخول شهر
رمضان.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان-
في بيان لها- إن على مسلحي جماعة الحوثيين وقوات صالح، والقوات الحكومية أن تطلق سراح
المحتجزين تعسفا، وتضمن للمحتجزين إمكانية الاتصال بمحامين وأفراد أسرهم، وتكشف عن
مصير المختفين قسرا أو مكان وجودهم.
وطالبت تلك القوات أن تطلق سراح الأطفال وغيرهم من
المحتجزين دون داع، ومحاسبة المسؤولين عن سوء المعاملة.
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن
رايتس ووتش، إنه "يمكن للجانبين المتحاربين في اليمن أن يفيا بالتزاماتهما القانونية
ويحققا مصلحة الشعب اليمني، من خلال الإفراج عن المحتجزين تعسفا خلال شهر رمضان المبارك.
يجب أيضا أن يبلغا أفراد أسر المحتجزين بمكان احتجازهم وسببه".
ونوهت هيومن رايتس ووتش إلى أنها وثقت الاعتقال التعسفي
والإخفاء القسري من قبل الطرفين. وقالت إنها وجدت أيضا أن القوات تحتجز الأطفال المشتبه
في ولائهم لقوات العدو، وتسيء معاملة المحتجزين وتبقيهم في ظروف سيئة، وتخفي قسرا الأشخاص
الذين ينظر إليهم على أنهم معارضون سياسيون أو يشكلون تهديدات أمنية.
إخفاق وتعثر
وبحسب هيومن رايتس ووتش فإنها لم تتمكن من تحديد العدد
الإجمالي للمحتجزين حاليا من قبل أطراف النزاع، لكن الجماعات اليمنية غير الحكومية
تقدر ذلك بالآلاف.
وفي مايو/أيار 2016، وافقت حكومة الرئيس عبد ربه منصور
هادي وقوات الحوثي-صالح على تبادل نصف جميع السجناء في أوائل يونيو/حزيران قبل شهر
رمضان كجزء من محادثات السلام.
وفي 30 مايو/أيار 2016، أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة
إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد أنه تلقى قوائم بأسماء السجناء من كلا الجانبين،
ونقل فيما بعد أن من بينهم 2630 من الجانب الحكومي و3760 من جانب الحوثي-صالح.
وفي حين تم تيسير بعض تبادل الأسرى على المستويات المحلية،
لم يحدث تبادل كامل أبدا، ومن المرجح أن الآلاف لا يزالون محتجزين.
تسييس الاختطاف
وثقت جماعات حقوقية يمنية مئات حالات الأشخاص المحتجزين
تعسفا أو المخفيين قسرا من قبل قوات الحوثيين أو القوات الموالية للرئيس السابق علي
عبد الله صالح.
وثقت هيومن رايتس ووتش 65 حالة قامت فيها قوات الحوثي-
صالح باحتجاز الأشخاص تعسفا أو إخفائهم قسرا، بما في ذلك وفاة شخصين أثناء الاحتجاز
و11 حالة ادعاء بالتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، بما في ذلك إساءة معاملة طفل.
يبدو أن قوات الحوثي- صالح ألقت القبض على العديد من
الناس بسبب صِلاتهم المتصورة بحزب الإصلاح، من بينهم محمد قحطان، أحد كبار قادة الإصلاح
الذي اختفى قسرا في أبريل/ نيسان 2015.
غير أن صحفيين مثل صلاح القاعدي وعبد الخالق عمران،
فضلا عن نشطاء، اعتُقلوا أيضا دون توجيه تهم إليهم لأسباب سياسية على ما يبدو.
كما قامت قوات الحوثي-صالح بمضايقة واعتقال أعضاء الطائفة
الدينية البهائية بشكل تعسفي، وهو ما وصفه المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية
الدين أو المعتقد بأنه "نمط مستمر من الاضطهاد".
احتجاز غير رسمي
بحسب المنظمة الدولية، تُحتجز أعداد أخرى من الأشخاص
في مراكز غير رسمية في الأراضي التي تسيطر عليها قوات الحوثي- صالح.
وثقت هيومن رايتس ووتش الاعتقالات في مقر "جهاز
الأمن السياسي" في مسجد زين العابدين في حزيز وفي مقر "جهاز الأمن القومي"
في المدينة القديمة في صنعاء.
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يحدث الاختفاء
القسري عندما تعتقل السلطات شخصا ما وتنكر احتجازه أو لا تكشف عن مصيره أو مكانه.
يتعرض الأشخاص المختفون لخطر التعذيب وغيره من ضروب
سوء المعاملة، ولا سيما عندما يحتجزون خارج مرافق الاحتجاز الرسمية، مثل سجون الشرطة
أو السجون العادية.
في حين أن أطراف النزاع المسلح في اليمن قد تتخذ التدابير
المناسبة لمعالجة الشواغل الأمنية، فإن القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدوليَّين
يحميان من سوء المعاملة أثناء الاحتجاز، بما في ذلك عدم احتجاز الأشخاص تعسفا، تعذيبهم،
إساءة معاملتهم أو إخفاؤهم قسرا.
وكحد أدنى، ينبغي إبلاغ المحتجزين بالأسباب المحددة
لإلقاء القبض عليهم، وأن يكونوا قادرين على الاعتراض على احتجازهم إلى حد ما أمام قاض
مستقل ونزيه، والاتصال بمحام وأفراد أسرته، وأن يستعرضوا قضيتهم دوريا.
وقالت ويتسن: "لا توفر الحرب أي مبرر للتعذيب
وإخفاء من يُعتقد أنهم معارضون. تعرّض الأطراف المتحاربة في اليمن نفسها لخطر المحاكمة
في المستقبل إذا لم تعترف بمسؤوليتها عن المحتجزين ظلما وتعيدهم إلى أسرهم".
في حضرة الغياب
بين غصة الفقد وأشواق الفرحة الغائبة وأحزان
الذكريات، تظل قضية الأسرى والمختطفين والمخفيين قسرا هي القضية الأكثر إيلاما لدى
أهالي المختطفين، بل لكثير من اليمنيين الذين يعانون جراء الأحداث التي تشهدها اليمن
منذ أكثر من عامين..
وفي الوقت الذي تعلن فيه اللجنة العليا للانقلابين
الثامن من شهر رمضان من كل عام يوماً للسجين اليمني كمزايدة منها أمام الرأي العام
المحلي والخارجي.
ما يزال الآلاف من اليمنيين يقبعون في معتقلات الانقلابين
ومحرومين من أبسط الحقوق التي كفلها القانون اليمني والمعاهدات الدولية.
ولا يتوقف مسلسل الانتهاكات اليومية للمختطفين
والمعتقلين من قبل مليشيا الحوثي وصالح، رغم اتفاقات بلجنة المعتقلين بمشاورات الكويت
قضت بالإفراج عن المختطفين والأسرى والمعتقلين مع بداية شهر رمضان المنصرم.
وتشكو عدد من أسر المختفين بأن أبنائهم في المعتقلات
يعيشون أوضاع مأساوية ومعاناة كثيرة تضاعفت مع حلول شهر رمضان المبارك.
ولاتكف أسر المختطفين والمعتقلين لدى الانقلابيين
الحوثيين عن النضال من أجل إطلاق سراحهم، وتحت لواء رابطة أمهات المختطفين، التي
أنشأتها، تنفذ هذه الأسر الوقفات وتقيم الفعاليات الاحتجاجية.. وسط إجراءات أمنية
مشددة من مليشيا الحوثي، ومضايقات تصل أحايين إلى الاعتداء على النساء المحتجات،
وبصور ساحقة لكرامتهن وإنسانيتهن..
وفيما تواصل أسر المختطفين والمعتقلين كفاحها في
سبيل حرية ذويهن، توجه الرابطة مذكرات للجهات الحقوقية المحلية والدولية مطالبة
بالضغط للإفراج عن كافة المختطفين من سجون جماعة الحوثي المسلحة.
ورغم تراكم الآمال بالانفراج عن قضية المختطفين والأسرى،
لكن تلك الآمال تتضاءل يوما بعد يوم، خصوصا أن الأهالي كانوا يعولون على شهر رمضان
للإفراج عن المختطفين..
وهو ما لم يحدث، في ظل سلطة الانقلابيين، الذين
تعج سجونهم بآلاف المعتقلين والمختطفين والمخفيين قسرياً.
وفي رمضان يزداد وجع أهالي أسر المختطفين
والمعتقلين أكثر مما مضى، بينما تقضي وجع الغياب بانتظارهم.. فهل يكون شهر رمضان
الفضيل فرصة لتحرير المعتقلين..؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق