اخر الاخبار

في أدب الحرب اليمنية.. قراءة نقدية في قصيدة ضياف البراق.."لوطنٍ دهسه الموت




خالد الخامري
_________&

صدحت القصيدة بصرخة عالية بعثها الشاعر /المبدع في عالم الصمت، أراد لها ان تبدد مزاعم  أولئك ممن تخندق، وحاول ان ينتصر لطرف يبرر مشروعيته في حربه على الطرف الآخر  -وهم في كلا طرفي الحرب - ترسم القصيدة وبريشة الفنان /المبدع ابعاد الدهشة من ما خلفته وتخلفه هذه الحرب من آثار ودمار، وخراب نفسي، وقيمي طالت الانسان اليمني واخلاقه، ونالت من هويته . تنطلق من رؤيا آلفت بين المختلفات وخالفت بين المؤتلفات.. يغذيها خيال ابداعي خصب وجامح، وإلمام بكل تفاصيل ودقائق الامور والخفايا للواقع .. بلغة تعبيرية فصيحة استطاعت وبكل يسر الافصاح عن مكنونات الذات و بكل ثقلها للمتلقي بيسر ... راوحت ما بين التعبير المباشر والرمز الشعري المثقل بالدلالة.
تحررت القصيدة من الاستهلالات  والتهيئات النفسية /الثقافية في اشارة ان الجميع  مبدعا ومتلقيا يعيش الحدث /الفكرة معا ، يتجرع ويلاتها ، وهي حرب ظالمة ضحيتها الانسان /ضحية السياسي .ونأت القصيدة بخطابها عن التعصب لطرف ضد الآخر ...إنها صرخة انسانية تندد بما آلت إليه الاوضاع .
بلغة العموم/التنكير /انطلقت الصرخة (عرايا ) اشارة لعمومية اثر الحرب على الانسان ،مع ما تحمله المفردة من بشاعة وتجرد من كل ماهو قيمي واخلاقي  (عرايا من ملامحنا والأسرار ) ورأت الذات الشاعرة تقديمها لخطورتها وبشاعة افتقادها ،والتي سلسلت نتائجها وآثارها في حياة الانسان (أضعنا رائحة الخبز )اشارة لحالة المجاعة التي عصفت بملايين الاشخاص من الشعب .
اختارت الذات الشاعرة لبث صرختها ،الاسلوب الخبري والذي هيمن على بناء القصيدة بشكل ملحوظ ولافت ، ليدلل على ديمومة الحدث ( الآثار النفسية والاخلاقية وتزعزع الهوية للانسان اليمني كآثار ونتائج منطقية للحرب ).
نلحظ ذلك في العديد من المفردات التي جسدت هذا الانحلال منها (أضعنا -قبرنا -تمزقنا تجرفنا -نعادي -نموت -تودعنا -تلعننا -نقاوم -نسوا- أضاعوا-دهسه )
والغالبية جاءت مسنودة ب(نا) المتكلمين /الفاعلين تبرز ما يجمع بين الذات والجماعة معا .وتعكس رؤية ان الفن تعبير عن الجماعة .
تنوعت الحقول دلالية في القصيدة ففيها ما ابرز ادعاءات طرفي الحرب والتي تبرر رؤية كل طرف وادعائه مشروعية بقائه طرفا فاعلا فيها ،وهي دعاوى كاذبة بنظر الذات الشاعرة ،نتيجتها حتمية واحدة عبرت عنها (قبرنا الغد والاحرار )وفندت هزلية دعاوى طرفيها بما عبرت به (نحن قمة النفط ...)اشارة لحرب اجنبي تدخل فينا وبأناس منا وهي ما تبرره انها حرب على المجوس وخطرها على الاسلام وثروات المنطقة اشار ورمز لهاب (النفط )وذاكم يحاربون  امريكا وتمددها في المنطقة ،اشار لذلك (بانصاف اجساد تلدنا امريكا .....)
كلا الدعوتين اثرهما بشع على النسيج الاجتماعي (تمزقنا ايادي العهر وايدينا )اشارة للتحالف العربي الذي جسد هذه الهوة ووازن بذكر نقيضها عند الآخر (تجرفنا شذوذ الحلم الى مجاري المنفى ..)صلف اقلية لا تمتلك مشروعية الاستئثار بالحكم بالقوة (شذوذ الحلم ).وآثار ذلك جرّنا الي المنافي / اماكن النزوح في الداخل واللجؤ في الخارج .(مجاري المنفى والظلمات ).
اكدت رؤيا الذات على تذرع طرفي الحرب بقداسة العقيدة والاحتماء بالدين والخطاب الديني زورا لكلا هما (نحب الله)اشارة لاسلامهما ، (لان الله ثالثنا )تتقاسم العقيدة والاحتماء بالدين طرفا فاعلا واساسا ومادة اعلامية تضفي نوعا من المشروعية للبقاء في الحرب وهو ما انكرته الذات ولم تأبه له ،لانها تقود للطائفية بين افراد المجتمع الواحد وكلاهما متورط في اذكاء هذه النعرة ..وعبرت عنها الذات ب(نغرد خارج الازمان -نعادي الظل والمرفأ -نموت زيفا في عتمة الالوان -تودعنا امانينا .....- تلعننا شقوق الارض )
زيفا وخداعا حربنا في اليمن كمن يعيش خارج التاريخ ومن يعادي ظله و(موتنا زيفا )اشارة لتلك المواكب التي تودع الميت زورا ترفع من شأنه شهيدا للواجب ، والتي فضلت الذات الشاعرة نكرانها بسخط شقوق الارض اشارة للقبور والمقابر التي اضحت مكانا ترتاده الناس بصفة مستمرة ..
تتصاعد الفكرة في اطار تناميها الي مرحلة ابراز بشاعة الحرب التي افقدتنا كل شئ وحولتنا الى غرباء بلاقدر ...(نسافر في جثث الامس- فتسبقنا جنائزنا )فقدنا وطن قبل نضج الانسان وفي مرحلة انعتاقه الاولى من الماضي ..وطن شاخ بكرا في افكارنا وفي اهم وابرز ما يعبر عن هويته وخصوصيته (عروق البن )وطن دهسه الموت في الافكار والمعتقدات ..
وعن انتصارات طرف على آخر اكتفت الذات الشاعرة بالاشارة فقط الى لعبة الجوكر لهزلية الادعاء (ننتصر كما الجوكر ) .
......
مبارك لك -ايها العظيم- ضياف  تجربتك وتألقك ..وعفوك اخي ان كنت قد حملت رائعتك ما لم تقصده !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016