تقرير/ وليد عبد الواسع
كانت الساعة تشير إلى الخامسة قبل مغرب الأربعاء الرابع من أبريل 2016م بتوقيت مدينة تعز اليمنية، وسط البلاد، حين خرجت جميله قاسم مهيوب احمد- 60 عاما- لتعيد أغنامها إلى البيت، وبينما هي ماشية في تبة الجراجر خلف جامعة تعز وقع قدمها على لغم زرعته ميليشيا الحوثي - صالح في محيط الجامعة أثناء سيطرتهم عليها والتمترس بداخلها.
كانت الساعة تشير إلى الخامسة قبل مغرب الأربعاء الرابع من أبريل 2016م بتوقيت مدينة تعز اليمنية، وسط البلاد، حين خرجت جميله قاسم مهيوب احمد- 60 عاما- لتعيد أغنامها إلى البيت، وبينما هي ماشية في تبة الجراجر خلف جامعة تعز وقع قدمها على لغم زرعته ميليشيا الحوثي - صالح في محيط الجامعة أثناء سيطرتهم عليها والتمترس بداخلها.
تقول جميلة: "انفجر اللغم وشعرت بنفسي أطير في
الهواء ثم سقطت فوق لغم آخر لكنه لم ينفجر، بعدها دخلت في غيبوبة ولم استيقظ منها إلا
في مستشفى الثورة بمدينة تعز فكانت الصدمة الأكبر عندما تفاجأت بإحدى أقدامي وقد بترت
بالكامل والأخرى مكسورة ومعلقة بالجلد".
وتعيش اليمن وضعاُ كارثياً جراء الكم الهائل من الألغام
التي زرعتها ميليشيا الحوثي صالح في المدن والمنازل والشوارع والطرقات والمدارس والمرافق
والساحات العامة التي اجتاحتها الميليشيا منذ استيلائها على المدن بقوة السلاح في سبتمبر
2014، وبعد إنسحابها منها.
وتسببت الألغام بسقوط آلاف الضحايا من المدنيين وخاصة
النساء والأطفال، وما زالت تتسبب بمزيد من الكوارث الإنسانية.
يروي الطالب يوسف عبدالله محمد علي 20 عاما أحد شهود
العيان على واقعة ما حدث لـ"جميلة قاسم": "كنت في منزل عاقل الحارة
الذي يبعد عن مكان الواقعة بحوالي 100 متر فقط وما أن سمعت دوي الانفجار حتى ظهرت فورا
من النافذة فرأيت شيء يهوي إلى الأعلى ثم خرجت وإذا بها جميلة قاسم ملقية على الأرض
والدماء تغطي جسدها وعلى بعد مترين تقريبا إحدى قدميها التي بترت تماما والقدم الأخرى
لا زالت معلقة في الجلد بعد أن انكسرت وهي تصرخ بأعلى صوتها حتى جاء شباب من الحارة
وقاموا بنقلها الى مستشفى الثورة وهناك قاموا ببتر الرجل اليمنى من أعلى الركبة واليسرى
من أسفلها".
وفي ظلّ زيادة مناطق الحرب الراهنة في اليمن، لا ينقضي
عام إلّا وتُزرع ألغام في محافظات جديدة، إضافة إلى آلاف الألغام التي كانت قد زرعت
خلال الأعوام الماضية.
وعلى مدار خمسة عقود، شهد اليمن صراعات مسلّحة عدة،
وكان المتحاربون يزرعون الألغام، ويتركون مخلّفات الذخيرة القابلة للانفجار. وفي عام
1998، بدأت الأمم المتحدة والحكومة اليمنية برنامجاً لإزالة الألغام بعد مصادقة الأخيرة
على اتفاقيّة حظر الألغام. إلّا أنّ الحرب الأخيرة أوقفت هذا البرنامج، مما أدى إلى
انتشارها بشكل غير مسبوق.
حين تتذكر نهلة- 12 عاماً- الحادثة التي بُترت
فيها قدمها اليمنى تبكي بشكل هستيري.. فقبل أربعة أشهر خرجت لرعي الأغنام مع ابنة شقيقتها-
7 أعوام- في قرية تبيشعة غرب محافظة تعز. وبينما كانتا تقفان على طريق فرعي، انفجر
لغم زرعته جماعة الحوثيين، مما أدى إلى بتر قدم نهلة اليمنى، فيما كانت إصابة ابنة
شقيقتها خفيفة.
تقول والدتها: "ابنتي دخلت المستشفى وبقيت هناك
فترة، لتخرج بعدها بحالة نفسيّة سيّئة للغاية. عانت من الكآبة، وصارت تبكي كثيراً،
وبدت عاجزة عن الحركة في بعض الأحيان. حاليّاً، ننتظر التئام جروحها تماماً، ليتسنى
لها تركيب قدم صناعية".
ويفيد تقرير لبرنامج إزالة الألغام بأن الضحايا المباشرين
لانتشار الألغام في اليمن بلغوا 50 ألفاً. ويرفض عدد كبير من الأسر النازحة العودة
إلى الديار، بسبب انتشار الألغام في مناطقها الأصلية، وسماعهم عن انفجار ألغام في مدنيين
عائدين.
وضع كارثي
الحرب الراهنة قضت على إنجازات البرنامج السابقة، لتعود
ظاهرة انتشار الألغام الفردية المحرمة دولياً، وألغام المركبات في معظم المحافظات التي
باتت نظيفة تماماً منها، بينها تعز، أكثف المحافظات اليمنية سكاناً وأكثرها فقراً.
وما زال الحوثيّون وقوات صالح يزرعون الألغام، خصوصاً
في مناطق سكنهم، مثل منطقة باب المندب والمخاء في تعز وجنوب الحديدة، في ظل قلة التجهيزات
الفنية وفرق إزالة الألغام التابعة لقوات الرئيس اليمني، لتشكل تلك الألغام خطراً مستمراً.
ولا تبدي المنظّمات الدوليّة اهتماماً ظاهريّاً بالتخلص
من الألغام حالياً، باستثناء منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، التي
بدأت العام الماضي التوعية حول خطر الألغام من قبل فرقها التي تزور المدارس والمجتمعات
المتضررة.
فتك بالأرواح
وتواصل الألغام الأرضية ومخلفات الحرب الفتك بأرواح
المدنيين الأبرياء في مختلف محافظات اليمن وسط صمت وتخاذل دولي غير مبرر على الرغم
من وجود شبه إجماع حول تحديد الجهات والأطراف التي تقوم بزراعة هذه الألغام ومن يتحكم
بمخزون اليمن الاستراتيجي من الساح وكيف سلمت كميات كبيرة منه لميليشيا الحوثي - صالح
المسلحة فور اجتياحها العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية.
فما زال المواطن يحيي عبد الله صكلع الشريف مصدوماً
جراء فقد طفليه اللذين ذهبا مع شقيقهما الثالث وأمهما للاحتطاب في أحد الوديان حيث
انفجر لغم كانوا يحاولون انتزاعه فقتل اثنين وسبب إعاقة دائمة للثالث.
فجر السبت الموافق 21 مايو 2016 في منطقة شعب الحشفاء
التابعة لمديرية حريب بمحافظة مأرب انفجر لغم أرضي بثلاثة من يحيى صكلع ما تسبب بمقتل
اثنين من الأطفال وفقد الثالث عينه اليمنى.
يروي والد الأطفال الضحايا الحادثة: "كالعادة
خرجت زوجتي وأولادي أحمد ورويدا ونشمي لجمع الحطب من منطقة تسمى شعب الحشفاء حيث توجد
هناك أشجار يمكن الاحتطاب منها، وعند الساعة 7:00 صباحاً سمعنا صوت انفجار كبير".
يضيف:" هرعت باتجاه الدخان في الوادي، ولما وصلت
وجدت زوجتي تبكي وهي تحتضن ولديً نشمي ورويدا اللذين كانا مصابين لكنهما مازالا على
قيد الحياة، في حين جوارها جسد أحمد الملطخ بالدماء والجروح والتشوه على وجهه وقد فارق
الحياة".
يتابع: "أسعفناهم إلى مستشفى مأرب العام بمدينة
مأرب، وهناك فارقت بنتي رويدا الحياة، وتم نقل ولدي نشمي للعلاج في السعودية حيث كانت
حالته خطيرة، والآن هو في تحسن لكنه فقد عينه اليمنى".
توثيق الضحايا
ووثق التحالف اليمني للرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان
ألفين و258 حادثة خلفتها الألغام الأرضية المضادة للدروع والمضادة للأفراد، التي زرعتها
المليشيات منذ بداية الحرب في اليمن، والتي دخلت عامها الثالث.
وبحسب المدير التنفيذي للتحالف، مطهر البذيجي، تنوّعت
الحوادث، وأدّت إلى إصابات أو تفجير منشآت أو تفخيخ مركبات وجسور، وتوزّعت الانتهاكات
على 16 محافظة يمنية.
ووثق تحالف رصد 615 حالة قتل جراء حوادث انفجار الألغام
في المحافظات المذكورة بينها 101 حالة قتل تعرض لها أطفال يمنين دون سن السادسة عشر
و26 حالة قتل من النساء في حين بلغ عدد القتلى المدنيين 533 شخص مقابل 82 حالة قتل
في أوساط العسكريين.
ووثق فريق التحالف 924 حالة إصابة جراء انفجار الألغام
بينها 160 حالة تعرض لها أطفال و36 حالة تعرضت لها النساء بينما وصل عدد الجرحى المدنيين
682 شخص.
قاتل خفي
وذكرت منظمة حقوقية يمنية أن الألغام التي زرعها مسلّحو
جماعة الحوثيين وحلفاؤهم الموالون لعلي عبد الله صالح، قتلت 57 مدنياً وأصابت 47 آخرين،
في ست محافظات يمنية.
وأشارت المنظمة، في تقرير حديث، في اليوم العالمي للتوعية
بخطر الألغام الذي يصادف الرابع من أبريل، إلى أن من بين القتلى 24 طفلاً وأربع نساء،
في حين أن من بين الجرحى 21 طفلاً وست نساء.
وتضمن التقرير الذي نُشر تحت عنوان "قاتل مستتر"،
33 واقعة انفجار ألغام أرضية في مدنيين، تحققت منها المنظمة من خلال بحثها الميداني
بين يوليو/تموز 2015 وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2016، في محافظات عدن وتعز ومأرب وصنعاء
والبيضاء ولحج.
وبحسب التقرير، فإن عمليات زراعة الألغام في الأحياء
السكنية حصلت أثناء نزوح المدنيين نتيجة المواجهات المسلحة، وكانت تنفجر بهم خلال عودتهم
إلى منازلهم من مناطق النزوح.
ولفت إلى أن عمليات زراعة الألغام طاولت مزارع ومنازل،
من دون أن يترك الطرف المسؤول عن زراعة تلك الألغام، أية إشارة تحذيرية تنبه المدنيين
وتحول دون تضررهم منها.
شكاوي واتهامات
وكشفت المنظمة عن تلقيها شكاوى مدنيين بأن ألغاما زُرعت
عند مداخل بيوتهم، ما عدّوه استهدافاً لهم من جماعة الحوثيين وقوات صالح "بسبب
رفضهم الانضمام لهم أو مساندتهم في القتال".
وفي حالات أخرى "جرفت الأمطار والسيول الطبقة
السطحية من الأرض، وباتت الألغام مكشوفة أمام الأطفال أو المارة، كما جرفت السيول ألغاماً
من مناطق المواجهات المسلحة إلى مناطق مأهولة بالسكان".
وقالت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان إن على جماعة الحوثيين
والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الكف عن الإضرار بالمدنيين،
والوقف الفوري لاستخدام الألغام الأرضية في مناطق وأماكن يستخدمها المدنيون في اليمن.
قالت رضية المتوكل، رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان:"إن
زراعة الألغام الأرضية في مناطق سكنية جريمة قتل غادرة كونها تأخذ نمط الكمائن الخفية
التي يصعب على المدنيين تمييزها وبالتالي تجنبها".
وطالبت المتوكل جماعة الحوثيين وقوات صالح وقف هذا
الانتهاك الجسيم فوراً، وإدراك الآثار الفادحة لسلوك زراعة الألغام في مناطق مدنية
على حياة الناس وأرواحهم.







ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق