محمد المياحي
___________&
حاثر وقفتُ على رصيفِ السبعين، كنتُ ُذاهلاً وسرت القُشعريرةُ في كامل جسدي، يا الله من خلقَ هؤلاء البشر المدعوكين بالذل.؟
حاشا أن تكون يا الله قد خلقتَ بشراً بكلّ هذه الانبعاجات العقلية البشعة..؟ أنت لا تخلق إلا شئياً سوياً، قُلت في نفسي لا بدّ أن شيطاناً تدخلَ ليشوه سمعة الاله الطيب..!
قبضت دماغاً واحداً فقط، فتشته بحذرٍ، وضعتُ كمامة على أنفي خشيةَ الاختناق برائحةِ العار الحادة، لقد وجدته قرميداً صلداً، مغمّساً بالتراب، بلغةٍ أُخرى يشبه بقايا خردة مطلية بالصدأ، ليس ثمة ما هو صالح لاجراء تجربة نفسية وتشريح الظاهرة، ألقيتُ كلّ أدوات التجربة واتكأت أرقبُ حركة اشداقهم وهم يصرخون، كانوا كضباع منهكة وتصرخ بجنون، هذا ليس حديثاً في الانشاء الأدبي، صدقوني هذا ما وجدته وأنقلُ لكم ذلك بنزاهة كما وعدتكم..!
أنا مرعوبُ من هذا الخليطُ الغرائبي من البشر، مصعوقُ من هذا التحولُ المخيف الذي ينحدرُ إليه الانسان، هذه أولَ مرةٍ أجد فيه بشر يلعقون أحذية اللصوص، ويتلذدون بذلك، يمكن للانسان أن يكون أي شيء إلا أن يغدو خرطوماً يتشممُ به المحتال ملجأ ما، فتلك مهنة بالغة الرذالة، كيف يتقبل الانسان أن يشكل متراساً يتدرعُ به قاتله..؟
يُخلق الانسان بفطرةِ نقية وروح كاملة الكرامة، تتظافر عوامل العيش وقسوة الحياة وتخرب ضمير الكائن فيغدو جسداً عارياً ومهتوكاً كما هو حال الانسان الذي احتشد في السبعين هذا النهار..!
أستعيرُ لغة ميشيل فوكو" لعن الله الجوع كيفَ يُسَلِّع الانسان..؟
لقد تنقعت عظامهم بالمهانة وأدمنوا حياة الهوان، لا يوجدُ ما هو أكثر مأساوية من هذا التخريب القيمي المريع الذي تعرضوا له، لقد صار انسان السبعين تنكة وفقدَ خصائص آدميته كلها، ما عادَ ممكنُ إعادة إصلاح هذا العُطب الذي التهم روح الكائن بكاملها، ولا أمل في ذلك البتة..
يا له من بؤس ويا لها من حياة..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق