اخر الاخبار

"قداحة" الراتب



هشام محمد 
________&


مرت خمسة أشهر على موطفي القطاع العام منذ أن تسلموا آخر راتب. ومنذ ذلك الوقت الذي فيه أُفرغت خزينة البنك المركزي في صنعاء، وبادر الرئيس هادي بنقل البنك إلى عدن.

بدت الصورة واضحة في حشر فئة الموظفين الحكوميين كورقة سياسية، يعتبرها كل من الطرفين ورقة ضغط لصالحه، للحصول على مكسب سياسي، أو تقوية موقفه في المفاوضات، بصفتها تقدم سنداً إنسانياً لموقفه السياسي، ولتدعيم شرعية موقفه أمام الرأي العام الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، لاسيما مع صمت هذه الفئة تجاه ذلك الإستغلال من الطرفين، وصمتها أيضاً عن المطالبة بحقوقها، واستغلال انعدام الأدوار الضاغطة لنقابات العمال التي تفتقر لقيادات عمالية حقيقية، قادرة على الحشد والمناصرة والضغط وأن تكون رقماً حقيقياً، في لعبة التوازنات السياسية - على الأقل فيما يتعلق بالحقوق -، وذلك عائد في جزء كبير منه إلى طول سنوات تدجينها من قبل النظام السابق، منذ حرب 94، مما أفقد الناس الثقة بها.

جغرافياً، لا يختلف الأمر بالنسبة للناس المتضررين من تلك الممارسات في المناطق التي تسيطر عليها الشرعية أو تلك التي تخضع لسلطة الأمر الواقع من قبل الحوثيين وصالح.

فبالرغم من إجراءات نقل البنك إلى عدن، وإعلان حكومة بن دغر توريد سيولة نقدية بمبلغ 400 مليار بريال، إلا أنه لم يتم تسليم رواتب الموظفين - على الأقل - في تلك المناطق التي تسيطر عليها... تستخدم ذلك، فقط، كورقة للضغط السياسي لانتزاع اعتراف من قبل الحوثيين ولو في أفضلية دفع الرواتب.

فعندما لجأت للمطالبة بكشوفات الموظفين، تم تسليم تلك الكشوفات الرسمية المختمة بطرق مختلفة، كثير منها بشكل شخصي، كالتواصل مع الوزراء، أو كما أعلن عن طريق "كاك بنك"، ولكنه لم يتم البت في أي من تلك الجهات - غير التربية والتعليم والداخلية - وبعدها توقف الأمر، بل أصبح هناك تعنت وعرقلة كما أشار بيان نقابة هيئة تدريس جامعة صنعاء، التي تتواجد في عدن لذلك الغرض.

في مقابل ذلك، نجد سلطة الأمر الواقع في صنعاء والمناطق الخاضعة لها تتعامل مع قضية الرواتب بطريقتين:

طريقة داخلية تخص التعامل مع الموظفين المتضررين والتحدث عنها والمطالبة بها كأداة للفرز السياسي، والاقصاء من الوظيفة، وكيل التهم، وجميعنا تابع التحريض الكبير من قبل عدد من قيادات ميليشيات الحوثي - صالح ضد المطالبين بالرواتب، مستخدمين كافة التهم، كالعمالة والخيانة، بل تجاوز الأمر إلى الإعتداءت الجسدية والسجن والتعذيب.

الحالة الثانية هي طريقة تقديم موضوع الرواتب للمجتمع الدولي، ومحاولة إدخال الأمم المتحدة في الوساطة، والتي تهدف هي الأخرى إلى تحقيق تقدم على مستوى الإعتراف الخارجي، بمجرد الضغط على الحكومة الشرعية لدفع الرواتب بحسب التعيينات والقرارات التي أصدرتها، أو تسليم تلك الكشوفات إلى وسيط دولي كمبعوث الأمم المتحدة. هذا التقدم سيكون في نهاية المطاف تحويل السيولة النقدية إلى صنعاء دون ضمانات، الأمر الذي قد يجعل تلك الأموال تذهب لتمويل الحرب، كما تتخوف الحكومة في عدن، بالإضافة إلى أن وجود الوسيط الدولي سيعمل على شرعنة الكم الهائل من القرارات والتعيينات في جهاز الدولة الإداري.

وهذا يعني أن المليشيات التي تبسط سلطتها على العاصمة تتخذ من المدنيين درعاً بشرياً تتمترس خلفه، وتحمي سلطتها التي فرضتها بقوتها؛ فهي تشكو من انعدام السيولة النقدية وتعزو ذلك إلى المؤامرة والحرب الإقتصادية، لتستمر في أعمال القمع والانتهاكات في حق المدنيين المطالبين بحقوقهم، وفي ذات الوقت تمول حرباً على المدن الأخرى تكلفتها الشهرية قادرة على تغطية تكاليف رواتب الموظفين الشهرية في جميع القطاعات في المناطق التي تسيطر عليها.

أضف إلى ذلك أنها تماطل - كوجه آخر للرفض الناع م- في تسليم وزارة ماليتها رسمياً لكشوف الموظفين إلى أي جهة مدنية وسيطة، كما حدث مع مبادرة التحالف المدني، التي لم تتسلم أي كشوفات وعدت منذ شهرين بتسلمها ونقلها إلى عدن، أو حتى مع نقابات الموظفين، وهي بذلك تعول على كسب التعاطف الدولي الإنساني لتحوله إلى مكسب سياسي بتفاقم الوضع الإنساني.

الآن، بعد خمسة أشهر من انعدام الرواتب، أصبح الوضع مزرياً بالنسبة لموظفي القطاع العام، وأصبح من الضرورة بمكان بلورة حركة حقوقية عمالية، تستطيع رفع درجة خطابها عالياً إلى المجتمع الدولي، بما يكفي للضغط على الطرفين الممسكين بزمام الأمور، لتقديم حل يضمن تحييد استخدام الرواتب والوظيفة العامة كورقة سياسية، بشكل مبدئي.

ولعل تحركاً كتحرك تحالف منظمات المجتمع المدني، ونقابة هيئة التدريس في جامعة صنعاء، وما يضاف إليهما من مبادرات، قد يكون نواة مناسبة لتحرك حقوقي ضاغط، بعيداً عن الأجندة السياسية، وسيجد الدعم من قبل الجماهير الصامتة التي تحتاج إلى من يوقظها من التبلد.

نقلا عن العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016