ضياف البراق
"شتّان شاسعان بين من يقود إنقلابا من أجل إبقاء كرسي الظُلم والإطاحة بحياة الشعب وتطلعاته الثورية والديمقراطية - مثل إنقلاب المخلوع صالح ومليشياته الحوثية على شرعية الشعب - وبين من يقود إنقلابا على السلطة الطاغية، الهدف منه الإطاحة ببراثن الفساد والتسلط وإعلاء كلمة الشعب والرقي بحياته وتطلعاته وإخراجه من حُفَر الجوع والجهل والمرض.
الأول يستحق لعنة الشعب والتاريخ والثاني يستحق قداسة الشعب ومجد التاريخ.!
الزعيم البوركيني الثوري " توماس سنكارا" خير مثالٍ لهذا الإنقلاب الأخير.! سنكارا مناضل ثوري أممي برتبة رائد في الجيش البوركيني الوطني غير أنه سما بهذه الرتبة إلى أعلى رُتب الإنسانية والنضال.!
عندما كانت دولة "بوركينا فاسو" ترزح تحت وطأة الإستعمار الفرنسي والطغيان الداخلي، كان سنكارا خير مدافعا عنها.
قاد سنكارا إنقلابا على السلطة القبلية والرجعية لاقى من خلاله تأييد الشعب البوركيني والوقوف إلى صفه حتى أستطاع الإطاحة بذلك النظام الجائر ليصبح هو الرئيس الشرعي لدولة بوركينا فاسو.
سنة (1983) تولى "سنكارا" حكم " فولتا العليا" الأسم الذي أطلقه الإستعمار الفرنسي على بلاده والذي أستبدلهُ "سنكارا" باسم "بوركينا فاسو" وتعني (بلد النزهاء أو بلد المستقيمين ) قاصدا محوهُ من ذاكرة المُستعمر الفرنسي انذاك.
كان أول ما شرعَ إليه "سنكارا" حينما ترأس حكم الشعب، هو الإنسان.أي النهوض به من خلال تنوير عقول ابنائه والسمو بهم والإهتمام بأحوالهم الصحية والنفسية والمعيشية.
لقد أولى "سنكارا" مشروعي التعليم والصحة الأهمية الأولى في مقدمة مشاريعه التي ترمي إلى النهوض بكيان الدولة أرضا وإنسانا وفي جميع المجالات ،الإقتصادية والسياسية والثقافية..الخ.
في مجال التعليم: سخر سنكارا كل جهوده وإهتماماته في تشييد المدراس والجامعات والمعاهد بكل أنواعها، كما انه شجعَ ابناء الشعب إلى الإلتحاق بركب التعليم داعيا إليهم بأنه مِقَوَد الأمم إلى النور والرقي والتطور والحياة السعيدة والنهوض بها.
ايضا ربطَ سنكارا حياة الريف بحياة المدينة من خلال بناء المؤسسات والمراكز الخدمية والصحية وشق الطرقات وإنشاء السكك الحديدية وتسهيل خدمة المواصلات بين الحياتين.
في مجال الصحة: قام سنكارا في إنقاذ حياة (2,5) مليون طفل من الأمراض الوبائية ومن الحصبة والحمى الصفراء وحمى الضنك من خلال برنامج اللقاح (التطعيم) .
تركزت سياسة سنكار الداخلية للبلاد في رفع مستوى الشعب إقتصاديا وسياسيا وثقافيا.
أي انه دعا الى الإنتاج المحلي والإعتماد على الذات مسخرا لهم كل الوسائل والأدوات التي تقودهم إلى ذلك.
قائلا لهم: بأن الإتكال والإعتماد على دعم الصندوق الدولي والمساعدات الخارجية ليس إلا عبودية وإستعمار جديد وخضوع لليهمنة والإستبداد.!
بهذا العزم الصلب الذي تبناه سنكارا في مشروع الإعتماد على الذات، لم يمر عاما واحدا من حكمه إلا وهو يأكل منتجاً بوركينيا ويلبس قطنا بوركينيا ويستخدم دواءً بوركينيا.!
أما سياسته الخارجية تركزت على التحرر من اليهمنة والرفض المطلق للطغيان الإمبريالي الفرنسي والدولي، صارخا في وجه حكام إفريقيا إلى رفض ذلك ومناشدا لهم بالتحرر منها والإعتماد على الذات.!
من أجل أن يوقف زحف التصحر على بلاده قام "سنكار" بتبني مشروع تشجير البلاد واستطاع من خلال ذلك بزرع عشرة ملايين شجرة.!
القارئ عن الزعيم "سنكارا" وعن مشاريعه الوطنية لبلاده سيستذكر من خلاله الزعيم" إبراهيم الحمدي" ومشاريعه الوطنية في اليمن، كما خفضَّ الحمدي رتب الجيش نهجَ سنكارا.
دعا سنكارا شعبه إلى عدم تعليق صوره في المكاتب، والمنازل قائلاً :أنا الشعب والشعب سنكارا.
هنا تكمن عظمة الحكام الوطنيين الأوفياء لبلدانهم وشعوبهم.!
على الطريقة التي تم بها تصفية الزعيم "الحمدي" تم تصفية الزعيم الشيوعي" توماس سنكارا"!
بسبب شعاراته المناهضة للإمبريالية نال "سنكارا" رصاصة الغدر الأخيرة.! لقد شاركت قبائل إفريقيا إلى صف المخابرات الفرنسية في تصفية الثائر سنكارا خوفا من إنتشار أفكاره الثورية في أرجاء بلدان إفريقيا.!
هنا نجد عصبية القبيلة والتخلف وهنا نكتشف حقيقة الرجعية والجهل في قمع المشاريع الوطنية والثوار الأبطال.
والهدف من هذا الصلف القبلي هو الحفاظ على مكاسب الفيد والإرتزاق.!
في الخامس عشر من أكتوبر من عام (1987) غادر "سنكارا" أرض بلاده وحياة شعبه غدراً على يد حليفه بالسلاح ورفيقه "كمباوري" الذي يحمل رتبه رائد ايضا، ليصبح المُنقلب "كمباوري" هو الرئيس الجديد لبوركينا فاسو.
كان كمباروري قد تلقى الدعم من قبائل إفريقيا والمخابرات الفرنسية.!
بعد أربعة أعوام(83-87) من خُطى ونضال "سنكارا" في النهوض بحياة الشعب البروكيني والرقي به من قاع الجوع والتخلف والإستبداد إلى ناطحة السمو والصناعة والتنوير والحياة السعيدة؛ يغادر " تشي جيفار إفريقيا -كما كان يُلقب انذاك - مغدورا من كرسي العدالة والإنسانية إلى تحت تراب النسيان!
هذا هو الفرق بين إنقلاب الزعماء الوطنيين وبين إنقلاب الأقزام الرجعيين.!
أنقلبَ صالح ومليشياته الحوثية (ولايزال! ) على شرعية الشعب اليمني فاستطاع خلال عام واحد من سريان خُطى إنقلابه البربري على القضاء على مجال التعليم ومجال الصحة ومجال الإقتصاد وتمزيق النسيج الإجتماعي وسط ابناء الشعب ودمر البنية التحتية للبلاد.
كما أنه قتل الطفولة واقتادهم إلى معارك العصبوية والسلاح وصادر حقوق الوطنيين الشرفاء وأقتحم قوانين الحريات السياسية والمدنية واعتقل اكثر من(8000) الف ناشط سياسي ومدني وقتل اكثر من ستة الف يمني وزرع أكثر من (200) الف لغم في المحافظات الجنوبية وتعز.!
كما انه زرع المجاعة والموت في كل أرجاء البلاد.! ونهب كل ثروات ومكتسبات الدولة.!
إذن، الزعيم "توماس سنكارا" هو من يستحق قداسة الأرض ومجد التاريخ والقزم "صالح" يستحق لعنة الأرض وشماتة التاريخ.!
عندما أُغتيلَ "سنكارا" كان يملك (450) دولار وسيارة عادية ودراجة نارية وثلاثة جيتارات.. هذه هي ثروة سنكارا التي كسبها من حكم بوركينا.!
لكنه كسب الذاكرة الحياتية للأرض والإنسان.
إنَّ قائدا ثوريا وثائرا إنسانيا كالمناضل "توماس سنكارا" فإنه يستحق قداسة الأرض وعشق الإنسان وسيادة التاريخ وكرامة الثوار وحياة الذاكرة.!
"قد يُستطاع إغتيال قائدا ثوريا من حياته، لكن من الصعب إغتيال أفكاره الثورية.!".. هكذا تحدث الزعيم الإفريقي "توماس سنكارا" قبل أسبوع من تصفيته وقتله!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق