عمرو حمزاوي
لا يبدو أن من الممكن تحقيق نصر نهائي وحاسم في اليمن في ظل تصارع القوى الداخلية على السلطة، وتورط القوى الإقليمية في حروب بالوكالة، ومحدودية الاهتمام الدولي بالأوضاع الإنسانية الكارثية.
منذ ما يزيد على 20 شهرا، بدأت الحرب الجائرة على اليمن وتمادى الصراع بالوكالة بين السعودية وإيران ليختطف الدولة شبه المنهارة والمجتمع المأزوم بفعل نزاعات داخلية عديدة.
الحصيلة اليوم هى أكثر من 14 مليون يمنى ــ نصفهم من الأطفال ــ يتهددهم الجوع، وأكثر من 19 مليونا لا يحصلون على مياه صالحة للاستخدام الآدمى أو على الحدود الدنيا من الرعاية الصحية، وما يقرب من 3.5 مليون هجروا أو فقدوا أماكن إقامتهم، وأكثر من 10000 قتيل ومن 38 ألف جريح، ومئات المستشفيات والمدارس والبنى الأساسية الأخرى المدمرة.
ليست هذه أرقامى، بل هى بيانات وكالات ومكاتب مختلفة تتبع منظمة الأمم المتحدة وتنظر فى الشأن اليمنى الذى صار على نحو مفجع مسكوتا عنه فى بلاد العرب.
فتحالف السعودية وحكومات خليجية أخرى المتورط فى عمليات عسكرية مستمرة لا تعنيه الأوضاع الإنسانية الكارثية للشعب اليمنى على الرغم من زعمه الدفاع عن «حكومة اليمن الشرعية» وانحيازه لمصالح الناس، ولا يتناولها فى خطابه الإعلامى وإن فقط من باب نفى المسئولية ورفع العتب.
أما طرف الحرب الآخر المدعوم إيرانيا، أى جماعة الحوثيين وبقايا نظام الرئيس السابق على عبدالله صالح، فلا يربطه بكوارث الجوع والمرض والتهجير والدمار سوى الادعاء الزائف بعدم تسببه بها وبانتماء الضحايا لصفوف مؤيديه. وجامعة الدول العربية فى خانات الصمت المريب عن مأساة اليمن لم تغادرها منذ اشتعلت الحرب، ولم تنتج سوى عبارات التأييد «للحكومة الشرعية» المدعومة سعوديا وخليجيا، ولم يصدر عن إداراتها المكلفة بمتابعة الأوضاع الإنسانية للشعوب العربية بيان علنى واحد، ولم تطالب أبدا لا بوقف العمليات العسكرية ولا بهدنة إنسانية ولا بتكثيف أعمال الإغاثة. لا شىء على الإطلاق.
من يساعد الشعب اليمنى اليوم؟ وكالات ومكاتب الإغاثة الأممية، بعض الوكالات الحكومية الأمريكية (المعونة الأمريكية) والأوروبية (خاصة هيئات الدعم الدولى البريطانية والألمانية)، والمنظمات الأجنبية غير الحكومية العاملة فى مناطق العمليات العسكرية والحروب والنزاعات المسلحة كأطباء بلا حدود وأوكسفام.
تجمع جميع هذه الجهات على تجاوز مأساة اليمن لإمكانياتها المحدودة، وعلى هامشية اليمن فى دنيا صناع القرار الغربيين إذا ما قورنت بمسارح الحروب الأخرى فى بلاد العرب من سوريا والعراق إلى ليبيا، وعلى قرب تحول الجوع إلى مجاعة والمرض إلى أوبئة والتهجير إلى أزمة لجوء مريعة.
الأمر، إذن، هو أن ثلاثية تصارع القوى الداخلية على السلطة وتورط القوى الإقليمية فى حروب بالوكالة على أرض اليمن ومحدودية الاهتمام الدولى بالأوضاع الإنسانية الكارثية صارت تهدد بقاء الشعب اليمنى بعد أن قضت على دولته وفرضت الدماء والعنف على المجتمع.
وإذا كانت حروب السعودية وإيران غير مرشحة للتوقف فى المستقبل المنظور وإذا كان التجاهل الدولى لليمن غير متوقع تبدله خاصة وبعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مقبل على تغييرات داخلية عميقة الأثر (إدارة ترامب القادمة وتنفيذ الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى)، فإن القوى الداخلية المصطفة إما فى «الحكومة الشرعية» أو فى خانة الحوثيين هى الوحيدة القادرة على وضع حد لمأساة اليمن حال عدلت فعلها.
تتسم خريطة هذه القوى الداخلية بالتعقد والتنوع الشديدين.
فمن بينها قوى قبلية ومجتمعية وسياسية، وبعضها يعتاش على بقايا مؤسسات الدولة وبعضها الآخر يحمل ضغائن عميقة تجاه فكرة الدولة الوطنية وبعضها الثالث يختزل دوره فى التحالف مع الرعاة الإقليميين، وثمة قوى تبحث عن تنفيذ رؤى انفصالية تعيد تعريف حدود فى اليمن وغير بعيد عنها جماعات إرهابية العنف مشروعها الوحيد. غير أن الراسخ من جهة هو أن الطائفية لم تتمكن بعد من خريطة القوى الداخلية على الرغم من طائفية الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران، ومن جهة أخرى كون أغلبية الشعب اليمنى باتت تقف بعيدا عن القوى الداخلية الكبرى كالحوثيين وبقايا نظام صالح وجماعة الإخوان المسلمين وحزبها الإصلاح وتنظر إليها كمنتمية لواقع فاسد يصارع للبقاء دون اعتبار للمأساة الراهنة، دون عظيم تقدير للصالح العام، دون صياغة لرؤية لإنهاء المأساة.
وهناك أيضا منظمات المجتمع المدنى التى وجدت فى البلاد قبل محاولة الانتقال الديمقراطى فى 2011 ولم يغيبها تعثر الانتقال واشتعال الصراعات بين القوى الداخلية، وهى اليوم تكتسب أهمية متصاعدة فى ظروف الحرب والأوضاع الإنسانية الكارثية بفعل أدوارها الإغاثية بالتعاون مع المنظمات الأجنبية غير الحكومية ولأن أصوات بعض قياداتها ترتفع برؤية ليمن يرفض الحروب بالوكالة ويتجاوز الطائفية ويثق فى إمكانية استعادة السلم الأهلى وإنقاذ الدولة الوطنية فى سياق انتقال ديمقراطى منظم تديره نخبة تكنوقراطية (عناصرها تقيم اليوم فى الجوار الإقليمى أو تتوزع عالميا) وكفاءات محلية لا تعدمها اليمن. هى فى الظرف الراهن رؤية مثالية ولا ريب، غير أنها تكتسب قبولا متصاعدا بين الشباب الذين يمثلون الأغلبية وتستطيع أن تحصد المزيد من التأييد ما أن تضع الحرب أوزارها.
والحرب ستضع أوزارها وسترحل الأطراف الإقليمية المتحاربة بقواتها وعتادها وسترحل معها قيادات القوى الداخلية التى اعتاشت على الحرب، لأن النصر النهائى والحاسم يظل غير ممكن فى اليمن.
عمرو حمزاوي_ باحث رئيسي_ برنامج كارنيغي للشرق الأوسط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق