عبدالوهاب الشرفي
عام ميلادي جديد يستقبل كعادته باحتفالات في كثير من بلدان العالم باعياد ميلاد مفعمة بالفرحة و تطلع لعام من السلام والرخاء لكن على ما يبدوا ” ما كلما يتمنى المرء يدركه ”، 2017 هو عام جديد ولكنه كغيره من سني الحياة ليس مستقلا عما قبله من الاحداث ولا عما بعده، والمؤشرات كلها تقول إننا سنكون بصدد عام ساخن اكثر من سخونة سلفه 2016.
في الشهر الأول من هذا العام الجديد سيدخل ترامب الرئيس الامريكي الجديد البيت الأبيض لمباشرة ادارة الشأن الامريكي في عالم لا زال يتسم بالقطبية الواحدة لصالح الولايات المتحدة الامريكية ولكن في ضل منافسة حادة ومحاولات جادة وقوية لاعادة صياغة النظام العالمي كنظام متعدد الاقطاب.
ليس بالغريب أن يتحدث ترامب بتلك الحدة عن الصين الشعبية فقد باتت منافسا جديا للولايات المتحدة وحلت بعدها مباشرة في سلم الناتج القومي الاجمالي وبفارق دون التريليون دولار وبات استمرار الولايات المتحدة في صدارة السلم مهدد أكثر من أي وقت مضى، واستخدام لافت من قبل الصين لحقها في الاعتراض في مجلس الامن ”الفيتو ” كدولة عظمى، ومصادقة مجلس الشعب الصيني على اتفاق الاشتراك مع روسيا في حرب الارهاب في مضيق باب المندب، وتحرك عسكري صيني لمنطقة الشرق الاوسط والى المحيط الهندي، وتبادل رسائل التهدُد والتوعُد بين امريكا والصين فمن تلويح امريكي بالخروج على سياسة الصين الواحدة إلى رد صيني بأن الصين صخرة ستسقط على اقدام من يحاول زحزحتها.
عزم روسي عالي لمواجهة مهددات أمن روسيا القومي وحيوية بادية لاستعادة حضورها في النظام العالمي في ظل فارق كبير في الناتج القومي الاجمالي يصل إلى أكثر من 13 تريليون دولار يمثل إغراءً للولايات المتحدة لاتباع سياسات قمع ضد روسيا للحد من تطلعاتها العالمية قبل تمكنها من الوصول لمستوى يجعل المنافسة معها امرا أكثر خطورة، وما بين رسائل روسية بانها لن تسمح للولايات المتحدة تهديد مصالحها في سوريا والشرق الاوسط وبين رسائل امريكية اكثر حرفية ظاهرها التعاون مع روسيا في سبيل محاربة الارهاب وباطنها اغراق روسيا أكثر وتركها تستنزف في سوريا كما استنزفت الولايات المتحدة من قبل.
نشر امريكي لدرع صاروخي في اوروبا ونشر مئات القنابل النووية فيها ايضا، واعادة نشر صواريخ روسيه وانسحاب روسي من اتفاقية البلوتنيوم وتوجيه رسمي بتطوير الاسلحة الروسية الفتاكة وبما فيها السلاح النووي، وانسحاب روسي من محكمة الجنايات الدولية.
خروج بريطاني من الاتحاد الاوروبي واستعداد دول أوروبية اخرى للحاق بها وتنامي تيارات اليمين المتطرف في العديد من دول اوروبا بما فيها فرنسا وألمانيا وهولندا، وتهديدات ارهابية جدية ومقلقة تهدد منظومة القيم الاوروبية– وفي أبرز عواصمها– تنعكس في صورة سياسات أمنية متطرفة، وتنافر بادي بين الدول الأوربية بخصوص السياسات الخارجية التي تتبناها دول أوروبية وتفرز تبعات سلبية ينظر اليها بعض أخر بأنها سببا في الاخطار التي تطال اوروبا والارهاب في طليعة تلك الاخطار .
ارتفاع تهديدات الارهاب بصورة عالية و مخاوف تركية واوروبية ومثلها لدى العديد من دول الاقليم المحيطة بسوريا من ارتداد الارهاب من سوريا اليها، وتطورات خطيرة للتدخل في الشان السوري يدفع بتركيا للتزحزح باتجاه روسيا تحت ضغط تهديدات غير مسبوقة لها، واختناق سعودي وقطري وبريطاني وفرنسي بتبعات مشروع يتصدع في سوريا مع عدم امكانية للتراجع عنه رغم كل توجساتها من التبعات الماحقة التي ستلحقها نتيجة تمسكها بهذا المشروع.
تململ للاتفاق النووي الايراني وعقوبات امريكية على ايران وتوجه ايراني لزيادة الاستفادة من قدراتها النووية ومضاعفة تسلحها ومناوراتها وعزم على التحرك خارج حدودها لحماية امنها القومي ورسائل سعودية خليجية بتصعيد المواجهة مع ايران في المنطقة، وحضور بريطاني لافت في قمة دول الخليج، واجتماع لما يعرف بالرباعية في الرياض يمثل اعادة رص للصف السعودي الامريكي في مواجهة ايران بالدرجة الاولى.
تراجع في الموقف الامريكي تجاه الملف اليمني وتصريح لاول مرة بان ”لا حل في اليمن الا بضمان امن السعودية”، ورسائل ايرانية مفزعة للسعودية بسعي ايراني لامتلاك قواعد عسكرية في اليمن وسوريا قوبلت برسائل سعودية تصعيدية بخصوص اليمن وبلسان الملك السعودي هذه المرة، وتسابق اماراتي سعودي امريكي لتّواجد في الجزر اليمنية وتواجد كبير للقطع البحرية العسكرية التابعة لهذه الدول قبالة السواحل اليمنية، وتسابق للعديد من الدول لاقامة قواعد عسكرية لها في دول القرن الافريقي.
وقف معونات النفط السعودي للقاهرة وزيارات مسئولين سعوديين لسد النهظة في اثيوبيا ولدول منبع النيل في رسائل تهديد واضحة لمصر في امنها المائي وحديث مصري شبه رسمي باستهداف قطر لامنها وتنامي في العمليات الارهابية التي تضرب مصر وتلويحات مصرية بالانسحاب من التحالف في اليمن وارتباك دبلوماسي مصري واضح تجاه التعامل مع ملفات المنطقة ، وزيارة الملك السعودي لكل عواصم دول الخليج باستثناء مسقط كتعبير عن عدم الرضى السعودي عن سياسات سلطنة عمان تجاه الملفات ذات العلاقة بالصراع السعودي الايراني في المنطقة.
فوز العميد عون برئاسة الجمهورية اللبنانية بعد ازمة ذات علاقة بابعاد اقليمية بدرجة رئيسية انتهت لغير صالح طرف السعودية وبداية مضايقات سعودية لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على ذات الخلفية ومحاولة لاعادة اثارت مسئلة سلاح حزب الله في لبنان.
حرب ضد ما يسمى الدولة الاسلامية في الموصل وتهديد لمشاريع اقليمية و دولية على خلفيتها ومخاوف جمة تصاحب الحرب على الارهاب في العراق وتشنجات سعودية عراقية وتركية عراقية كذلك .
استعادة سيطرة النظام السوري على حلب وصلب عوده في جغرافيته بقدر غير مسبوق منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا، وقرار امريكي بالسماح لبيع الاسلحة النوعية لحلفاء الولايات المتحدة في سوريا، وقانون امريكي بتزويد المعارضة السورية بمضادات جوية، وعزم سوري وروسي على محاربة الارهاب في سوريا و إعداد حثيث للمعركة القادمة بعد حلب، واتفاق ثلاثي بالحل السياسي في سوريا تجتمع فيه تركيا مع روسيا وايران لاول مرة ودخول عسكري تركي مباشر في سوريا ضد جماعات ارهابية تشعر بتهديدها لامنها– في تضاد مع المشروع الذي تتبناه العديد من الدول في سوريا والتي كانت هي نفسها احد اهم هذه الدول – وتدشين لردود افعال المتضررين من التقارب الروسي التركي باغتيال السفير الروسي في تركيا.
اختراق للحال الذي ساد امميا على مدى اكثر من ثلاث عقود تجاه الكيان الصهيوني بتبني مجلس الامن لقرار ادانة الاستيطان الاسرائيلي وما سيترتب على ذلك من فتح لجبهات مواجهة دبلوماسية وقانونية ستكون شديدة السخونة سيكون لها تفاعلات اقليمية وعالمية، وردود أفعال حادة من الرئيس الامريكي ترامب ومن الكيان الصهيوني تجاه صدور هذا القرار ذهبت بعيدا وتلوح بالعمل على تغيير في البنية الاممية ما يعرّض الامن العالمي لتهديدات غاية في الخطورة.
ما سبق هو جردة لاحداث ومواقف مختارة شهدها العام المنقضي 2016 وهي بطبيعتها تمثل مؤشرات قوية يمكن من خلالها القطع بسخونة اشد للمشهد في العام الجديد 2017، فمن هذه الاحداث والمواقف ستنطلق العديد من المواجهات التي ستخرج في صورة سياسات واحداث ومواقف في مختلف الملفات الساخنة عالميا واوربيا واقليميا ودوليا التي لها علاقة بالصراع على الهيمنة والنفوذ في النظام العالمي والنظام الاقليمي والنظام العربي.
هذه الاحداث والمواقف التي تمت في العام 2016 يمكن القول بانها احداث ومواقف” مستدامة” فاثارها لا تقف عند وقوعها وانما هي احداث ومواقف يكون لها تداعيات وتبعات وتفاقمات ستزيد من سخونة المشهد في العالم العربي وفي منطقة الشرق الاوسط وفي العالم ككل، وسيترتب عليها مزيد من التشنجات والتجاذبات والصراعات التي سيكون نصيب العام 2017 منها اكبر من نصيب العام المنقضي وبمختلف صور تجسدها العسكرية والامنية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والاجتماعية والانسانية، وفي ظل غياب الادوار الجادة الساعية للحلول الموضوعية والمنصفة في مختلف الملفات المحتدمة لن يكون العام 2017 إلا مسافة اخرى نقطعها باتجاه الاصتّدام الكبير القادم وهو الذي سيعيد صياغة كل الانظمة الانسانية التي باتت مضروبة بالكامل وسيدخلنا في عهد انساني جديد سيكون متسم بالتوازن.
رئيس مركز الرصد الديمقراطي ”اليمن“
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق