اخر الاخبار

"ناشونال إنترست".. حرب اليمن لا علاقة لها بالمذهبية







وكالة أرصفة للأنباء/ تحليل
===============
 
شكّكت مجلّة "ناشونال إنترست" الأمريكية في ما يروّجه الإعلام الغربي من انطباعات فيما يخصّ الحرب في اليمن، والتي نادراً ما تتطرّق إليها التقارير الإعلامية الغربية، إلا في سياق "السردية الطائفية" وما يشاع حول "المواجهة السنية الشيعية"، أو "المواجهة السعودية الإيرانية".

وبعيداً من "التحليل الإختزالي" الذي يحيد عن الطابع السياسي للصراع اليمني - اليمني ويحصره بـ"الميل الطائفي المذكور"، وصفت المجلّة الأمريكية الصراع في اليمن بالـ"معقّد على أقلّ تقدير"، لا سيما وأنه "ينطوي على سلسلة من الجهات الفاعلة (المحلّية والخارجية) والتحالفات المتقابلة، التي يملك كلّ منها "أجنداته الخاصّة، وطموحاته"، ببعد طائفي هو أقلّ وطأة مما يشاع.


على ضوء ذلك، تساءلت المجلّة: "ما هي الأسباب الكامنة خلف الإجراءات السعودية في اليمن؟"، قبل أن تضيف بالقول إنه "علينا، في المقام الأوّل، أن نعالج النزعات الطائفية للصراع لنرى حقيقة الدور التي تحتلّه بالضبط". في هذا السياق، حاول التقرير إلقاء الضوء على جماعة "الحوثيين" واصفاً إياهم بـ"القبيلة الشيعية" التي تتبع مذهب "الزيدية، الذي يعدّ أقرب فقهياً إلى الإسلام السنّي، منه إلى الإسلام الشيعي، المتّبع في إيران، نصيرهم المفترض"، واصفة المذهب بأنه "أكثر اعتدالاً". 

الملفت، بحسب المجلّة، وفي وقت تستشري فيه الطائفية في سائر أرجاء الشرق الأوسط، أن هذه النظرة "ليست طاغية الحضور بين أبناء الطوائف السنية والشيعية في اليمن، حيث أن رؤية المسلمين السنة والشيعة يصلّون في المسجد ذاته، لا يعدّ مشهداً غير مألوف" في ذلك البلد، الذي لا يمكن اعتباره "بيئة مثالية للأصولية الدينية الثورية والمتشدّدة".

وتابع التقرير، الذي جاء بعنوان "حرب السعودية على اليمن لا علاقة لها بالطائفية"، بالقول إن تأسيس "حركة الحوثي" يعدّ أحد "أكثر العناصر راديكالية" في المشهد اليمني، و"أكثرها إثارة للجدل"، مع دخول عنصر مهمّ في معادلة السلطة والحكم في اليمن، تتمثّل في "إعادة تشكيل فكرة الإمامة الزيدية التي حكمت اليمن منذ تأسيسه عام 897، حتّى الإطاحة بها عام 1962".

مسألة تزويد طهران للجماعة بالأسلحة والذخائر تعدّ "شبه مؤكّدة"

وقد اعتبر التقرير، الذي أعدّه مايكل دافي، أن تبنّي "حركة الحوثي" لشعارات "الموت لأمريكا"، و"الموت لإسرائيل"، وغيرها من الشعارات يمكن أن يعطي مؤشّرات بشأن "الغلوّ" المحتمل أن تكون عليه هذه الجماعة، "رغم تشكيك العديد من الخبراء بذلك". وعلى هذا النحو، رأى الكاتب أنه "

وفي حين لا تعدّ الزيدية الشيعية حاضنة طبيعية للتعصّب الثوري (الراديكالي) الإيراني، فإن الحماسة الأيديولوجية لدى بدر الدين الحوثي، ربما تكون كذلك"، رغم أن مقوّمات الهوية في اليمن "تشتقّ أساساً من القبيلة وليس من الطائفة". 


وعن العلاقة الخاّصة التي تربط الحركة بطهران، أعاد التقرير إلى الأذهان تصريحات أحد مسؤولي الخارجية اليمنية، عبد الله الراضي، في سنة 2009، التي شهدت مواجهات بين "الحوثيين" والجيش اليمني، قال فيها إن "إيران تريد ورقة سياسية قوية في اليمن، على غرار حزب الله في لبنان"، في إشارة إلى "العلاقات المزعومة بين الحوثيين من جهة، وإيران ووكيلها الإقليمي حزب الله من جهة أخرى، والتي غالباً ما تتناولها وسائل الإعلام اليمنية والسعودية"، كما شدّد الكاتب على أنه "رغم ندرة الدلائل على وجود تعاون مباشر بين الجهتين، فإن هناك ما يكفي للقول أن الأمر ليس مجرّد تصوّرات أو تخيلات بحتة".

وللخوض في تمحيص الدلائل حول مسألة وجود تعاون عسكري مباشر بين "الحوثيين" وإيران، أشار دافي إلى أن مسألة تزويد طهران للجماعة بالأسلحة والذخائر تعدّ "شبه مؤكّدة"، لا سيما وأن وسائل الإعلام الإيرانية "تحرص على نشر أخبار ومشاهد استخدام الحوثيين لصواريخ زلزال 3، وهو صاروخ إيراني الصنع، تقوم إيران بتزويد وكلائها الإقليميين به، وبنحو خاصّ حزب الله". 

وبحسب ماثيو ليفيت، الباحث في "معهد واشنطن"، ومؤلّف كتاب "حزب الله: الوطأة العالمية لحزب الله في لبنان"، فإن التنظيم اللبناني المذكور يسهم في "المساعدة على نقل الأسلحة إلى المتمرّدين الحوثيين في اليمن". 

كذلك، أوضح الكاتب أن تصريحات المسؤولين في "حزب الله"، تحمل دلالة واضحة على وجود "علاقة وثيقة مع الحوثيين"، وهي تصريحات يضاف إليها رسالة زعم الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، أنه تلقّاها من الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، تفيد بـ"انخراط الحزب في اليمن".

بحسب دافي، وفي حين أن "النوايا الإيرانية واضحة للعيان"، من خلال رعاية طهران للجماعة اليمنية في صراعها مع الرياض، "إلا أن العناصر الطائفية في تصوير المواجهة الإيرانية السعودية تُعطى حجماً أكبر مما هي عليه" بالفعل. وصحيح أن "المملكة العربية السعودية لا تريد أن تكون عالقة بين فكّي كمّاشة للنفوذ الإيراني على حدودها الشمالية مع العراق من جهة، وعلى حدودها الجنوبية مع اليمن، من جهة أخرى"، إلا أن أسبابها للحرب في اليمن هي "أكثر منطقية (سياسية الطابع) بكثير مما هو شائع"، نظراً إلى أن "الدافع الحقيقي وراء إجراءات السعوديين في اليمن يتعلّق بالحفاظ على الذات، وضمناً الحفاظ على استقرار بلدهم، والبلدان المجاورة"، ودرء مخاطر "المكائد الإقليمية الإيرانية".

إضافة إلى ما تقدّم، شرح دافي أنه، وبالإستناد إلى معطيات التاريخ، لا يمكن اعتبار الحرب الجارية في اليمن "حرباً أيديولوجية". 


وتابع الكاتب قائلاً إنه "على الرغم من أن الإنقسامات الإثنية والطائفية هناك يتم تعزيزها (حالياً) من جانب النظام السعودي على نحو أكيد، إلا أن الغرض من ذلك هو خدمة الهدف المركزي"، المتمثّل بالحفاظ على الحكم الملكي في السعودية. 


وعلى ضوء ذلك، نقل دافي عن أحد المحلّلين الإماراتيين حديثه عن "حسّاسية السعودية تجاه اليمن"، وما لحظه من "عقلية حكم سعودية لم تتغير منذ ثلاثينيات القرن الماضي"، وهي عقلية "تركّزت دائماً على ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد (الجار الجنوبي للمملكة)، كما أنها "تعلو على ما العوامل الأيديولوجية الأخرى، وترتكز على إبعاد أي تهديد لأسرة آل سعود".

هذا، وقد عرّج دافي على أحداث حرب اليمن في ستينيات القرن الماضي، التي أخذت طابع الحرب بالوكالة بين السعودية ومصر، حين "أخذ التهديد لحكم الممالك صورة المدّ القومي العربي تحت رعاية الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر"، الذي كان مشروعه السياسي منصبّاً على "تصدير القومية العربية في مختلف أرجاء المنطقة". وكما بات معلوماً، فقد انطلقت شرارات تلك الحرب حين قامت ثورة دعمها الرئيس المصري في اليمن في سبتمبر من العام 1962، عملت على إطاحة حكم الإمامية، قبل أن تتدخّل المملكة العربية السعودية والأردن، لدعم "الملكيين من الزيدية الشيعية" ضدّ خصومهم.

ومن ثم علّق الكاتب بالقول "إن الوضع الحالي يعكس بالتأكيد مجريات ما حدث في حقبة الستينيات"، إذ فاقم الإنفراج الحاصل على صعيد العلاقات بين الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وبين إيران منسوب "القلق السعودي". من هنا، عقد دافي مقارنة بين مقاربة واشنطن الحالية للعلاقات مع النظام الإيراني، ومقاربة الإدارة الأمريكية في عهد كل من الرئيسين آيزنهاور وكينيدي، للعلاقات مع نظام ناصر، حين أسهم تدهور العلاقات بين الأخير والاتّحاد السوفياتي في تلك الحقبة، في دفع الولايات المتّحدة، في عهد آيزنهاور تحديداً، إلى السعي نحو "مصالحة سياسية مع الحركة الناصرية".

أمّا عن حقبة السبعينيات التي شهدت تغيرات على صعيد تحالفات الرياض داخل اليمن، فقد ألمح الكاتب إلى بروز معالم "واقعية سعودية" جديدة، حين ارتفع منسوب قلق النظام السعودي من "تزايد النفوذ السوفياتي في جنوب اليمن، على نحو دفعه إلى إعادة تنظيم مصالحه، وذلك بالكفّ عن دعم الملكيين (حصراً)، وترتيب تسوية قضت بالإعتراف بسلطة الحكومة الجمهورية (جنوب اليمن)، غريمها السابق، إلى جانب تقديم المساعدات المالية والعسكرية للحكومة في صنعاء (عاصمة شمال اليمن)، لزيادة قوّتها في مواجهة الشطر الجنوبي للبلاد. 

خوف السعوديين وقتذاك، تركّز على منع قيام "يمن موحّد، يتبنّى الماركسية المتطرّفة (اللينينية)، ويقف على طرف نقيض من مؤسّستهم الوهّابية المحافظة (الحاكمة)"، حيث لن يكون للرياض "إلا القليل من أدوات وعوامل التأثير".

من وجهة نظر دافي "تمثّل الحرب في اليمن خليطاً من السياسة السعودية المزيّفة وغير الثابتة"، كما تبيّن "إبّان أحداث الربيع العربي"، ومن "خلال سياسات تعود لعقود خلت، قوامها السعي إلى الإبقاء على نفوذها، والحفاظ على وحدة جارها الجنوبي".

 وقد وضع الكاتب الدعم السعودي الممنوح لحكومة الرئيس هادي في سياق جديد في السياسات السعودية يقوم على إعادة "تغليب الإعتبارات الواقعية على حساب الإختلافات الأيديولوجية"، غامزاً من قناة موقف الرياض الإيجابي من الإطاحة بحكم "الإخوان المسلمين" في مصر، وتحالفها مع الرئيس هادي، "المعروف بصلاته بحزب الإصلاح، فرع تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن".

وختم الكاتب "بصرف النظر عن الأسباب الكامنة وراء هذه الحرب، فإن آثارها على السكّان المدنيين مسألة لا تغتفر. فحملات القصف التي تستهدف الأسواق، والمدارس، والمرافق الطبّية، المحلّية منها والأجنبية، لا تسهم إلا في دفع اليمن أكثر نحو أزمة إنسانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016