اخر الاخبار

طبيب يمني يشربه الألم: ينام في العراء شبه عاجز عن الحركه


وكالة أرصفة للأنباء/ نبيل الشرعبي

أن تقف على مداخل روح تتهالك ويشربها التشرد والشيخوخة.. قد يكون سهل أن تتحسس هذه الروح وتضمد ما تيسر من تناثرها..

إلا أن الأمر يتغيير كليا مع هذا الإنسان.. إذ كان نافذة أمل لحياة كثير.. كان شلالات عطف تتحسس الألام وتزرع البسمة في أفق المرضى.. وفجأة إنطفأت الدروب أمامه وصار لا درب له غير التشرد..

.. الطب مبتغاه ..
عادل... الأهدل.. إنسان.. ويحمل لقب دكتور بالعرف اليمني.. حاصل على ماجستير طب من دولة المجر مطلع الثمانيات..

أصوله يمنية بامتياز.. عاش قبل الوحدة اليمنية فيما كان يسمى دولة اليمن الديمقراطية الشعبية.. وعمل طبيبا فيها بعد عودته من دولة المجر وتدرج ليصل إلى درجة مدير قسم..

كان يجد في ممارسته مهنة الطب مبتغاه.. حيث يستطع مساعدة المرضى على التشافي وممارسة حياتهم الاعتيادية..

حتى الوقت الراهن وقد صار به الوضع مرميا على الرصيف.. حتى الوقت الراهن ما زال ثاقب النظر ويجيد التحدث باللغة الانجليزية والمجرية آضافة إلى لغته العربية..

مع أحداث 13يناير1986 وجد نفسه مدانا بالانتماء إلى الحزب الاشتراكي.. وجراء ارتفاع سقف الضغوط عليه غادر الجنوب ليستقر فيما كان يسمى بالجمهورية العربية اليمنية..

ولتفانيه وحبه لمهنته احيط باهتمام وفتح له المجال ليعمل في عدد من مشافي الشمال آتذاك كمتعاقد.. جاءت الوحدة اليمنية وكان ممن تم تسوية وضعهم تحت مظلة اليمن الموحد..

.. موقوف ..
ورغم عدم انخراطه في العمل السياسي وجد نفسه بعد حرب صيف 94 ضمن قائمة الموقوفيين ولكنه كافح وكان يعمل متعاقدا لدى مشاف عدة.. حتى صار مديرا لاحد مكاتب الصحة في المحافظات الشمالية متعاقدا..

ومع تقدم سنه ونيل العمل الدؤب بدء يخبوا عطاءه ليجد نفسه أثناء إندلاع الثورة الشبابية في 2011 في عداد المستغنى عنهم دون سابق انذار..

.. طبيب الثوار..
انضم ايام الثورة الشبابية إلى الطاقم الطبي وعمل طيلة عدة أشهر رغم أنه يعاني انزلاق بالعمود الفقري.. وجراء ما حاق بالثورة الشبابية صار ضمن المهمشين..

لم ينكسر بل ظل يتابع في سبيل لفت النظر إلى حاله دون جدوى.. كل ما استطاع أن يؤمنه راتب تقاعدي متواضع للغاية من عمله متعاقدا يذهب حالي لأولاده المعدميين..

بسبب خجله ممن حوله وعدم قدرته على العيش معهم منكسرا فضل العيش مع من تبقى من شباب الثورة في خيام ساحة التغيير بصنعاء إلى أن تم سحق وطنالمشردين _الساحة_ بتاريخ 10 أكتوبر2014..

لم يستطع مغادرة العشق الذي كان يعول عليه الانتصار له ولكل المسحوقين مثله.. واستمر يرابط قريبا من الساحة وعاش أياما عصيبة للغاية..

.. تشقق وجهه..
تقرحت قدميه جراء العيش في العراء وتشقق وجهه وتضاعفت حالته وبدأت حركته تتقيد رويدا رويدا إلى أن أصبح لا يتحرك إلا بالكاد وببطء..

يحاول التماسك والظهور بمظهر المتعافي لكن تخذله قواه.. يتحرك بصعوبة ويبدوا عليه كثير الألم ولا يشكو بل يتصبر أكثر مغالبا ألامه..

وأنت تمعن النظر في تضاريس وجهه تشرب روحك هالات وجع لا حدود له يتدفق من ثنايا نتوء وتعاريج خديه.. فيما هو لا يقبل أن يشكو أن يتذمر..

.. في جوف حوت..
يتنحنح.. ويزم شفتيه إن حاولت التسلل إلى نزيف حياته.. يشخص ببصره بعيدا عنك فتتجمد عينيه في زاوية الغروب من الأفق.. يصعقك وتهيج في كينونتك رعشة.. لماذا زاوية الغروب..!!

يصمت ويضغط يديه على الأرض التي تحته وكأنه يحملها هو وليست هي من تحمله.. حيرة وتناثر.. الصمت لغة لا يفهمها إلا قادم من رحم بؤس وعناء..إن تمعنت في وحشية صمته فلن تجد غير تفسير واحد..

إن تضغي لصمته اسمعه يتمتم بهذه الكلمات من قصيدة في جوف حوت للشاعر خليل حاوي رحمه الله.. "أتُراهُ كانَ لي يومٌ معافًى ونضيرْ.. أم حكاياتُ ثلوجٍ مَدَّها البُحْرانُ في وَهْجِ الهجيرْ؟.. كل ما أذكرُه أنِّي أسيرْ.. عُمْرُهُ ما كان عُمْرًا.. كان كهفًا في زواياهُ.. تدبُّ العنكبوتْ.. والخفافيشُ تطير.. في أسى الصمتِ المريرْ.. وأنا في الكَهف محمومٌ ضريرْ.. يتمطَّى الموتُ في أعضائِهِ.. عُضوًا فعُضوًا, ويموتْ.. كلُّ ما أعْرفه أنِّي أموتْ.. مُضغَةً تافهةً في جوف حوتْ"..

.. نوافذ حب..
لا لا أنت لست كذلك بل ملاك رحمة.. يا أيها الطود الكبير.. فالأرواح التي ضمدت جراحاتها تفتح لك نوافذ للحب والأمل وتصلي لأجلك فلا تنكسر وتشرخ أفئدتنا.. كن قويا كي لا نضعف..

وكالة أرصفة للأنباء وهي تنفرد بنشر نزر قليل للغاية من صلوات الطبيب الإنسان عادل الأهدل.. تؤكد أنها لا ترمي من نشر هذه الأسطر الخجولة استعطاف الشفقة لأجل الإنسان الطبيب عادل بل تفتح نافذة للإقرار بحقه في العيش بكرامة كحق له وليس تصدق أو هبة من أحد..

فكما  هب نفسه لتحسس وتضميد أوجاع الكثير يجب أن ينال حقه كاملا.. عادل الطبيب الإنسان يقضي كثير من وقته متواجدا في المساحة الممتدة من جولة القادسية سابقا حتى مدخل جامعة صنعاء الجديدة.. شارع الدائري بالعاصمة اليمنية صنعاء..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016