اخر الاخبار

فخاخ الموت الذي خلفه الحوثيون للجنوب



فخاخ الموت الذي خلفه الحوثيون للجنوب
تقرير خاص- حسن الفقيه
وائل الرجاع- فقد ساقه بلغم أرضي في محافظة عدن

كان الفتى العدني اليافع وائل ذو الـ15 عاماً، يمشي برفقة أصدقائه في الخط الترابي، المحاذي للخط البحري الرابط بين مديريات الشيخ عثمان والمنصورة من جهة وبين المعلا وخور مكسر..

وبينما هو يتبادل النقاش مع أصدقائه، هوت إحدى قدمي وائل على لغم فردي، مما أدى إلى بتر قدمه اليسرى..

وائل الذي ظل طيلة 7 أشهر، وسط المواجهات، لم يصب بشظية قذيفة، أو طلق ناري طائش.. أخمدت نار الحرب، وكأن اللغم الأرضي هذا كان ينتظره ، ليصادر منه ساقه اليسرى.



تتكرر مثل هذه القصص الإنسانية الموجعة، والتي يذهب جلّ ضحاياها أناس أبرياء، لم يكونوا طرفا في الصراع، لكنهم وجدودا أنفسهم في مواجهة مع الموت المتربص والمخبوء لهم في باطن الأرض.

لم تنتهِ القصة هنا، فمنذ مطلع العام المنصرم، شهدت عدد من المحافظات التي دارت فيها المواجهات، وخصوصا المحافظات الجنوبية، زراعة عدد كبير من الألغام أودت بحياة المئات وإصابة الآلاف.

كان الطفل فايز- أربع سنوات- مسافراً في سيارة مع أسرته عبر خور مكسر، بعد زيارة عمه.. وبالقرب من مركز الشرطة، فجر أحد إطارات السيارة لغماً أرضياً مدفوناً في الرمال.. نجت أم فايز وشقيقته من الانفجار الذي مزق السيارة.. فيما أصيب الطفل بشظايا في وجهه وعينه.

لكن والده توفي بعد يوم واحد متأثراً بجراحه.. ولم يخبر أحد عائلة فايز ما إذا كان الطفل سيُصاب بالعمى الدائم بسبب جراحه، في الوقت الذي لم يكن يملك فيه المستشفى الموارد اللازمة لإزالة الشظايا.

تقول تقارير مختصة إن الألغام الأرضية تسببت بمقتل 98 شخصاً وإصابة 332آخر، في عدن وأبين ولحج، حيث قدرت عدد الألغام في المحافظات الثلاث بأكثر من 150 ألف لغم.

المركز التنفيذي للبرنامج الوطني للتعامل مع الألغام فرع عدن، ذكر أنه استطاع جمع نحو 1173 لغماً وقطعة ذخيرة غير متفجرة، بين 13 يوليو و 10 أغسطس".
ألغام جمعتها فرق نزع الألغام في عدن


تقارير طبية في مدينة عدن أفادت أن عشرات الأشخاص من ضحايا الألغام، تستقبلهم مستشفيات المدينة أسبوعيا.

تقول المحررة في شبكة إيرين- إيونا كريغ:" كان الطفل فايز الأُلفي البالغ من العمر أربع سنوات يرقد في مستشفى النقيب بمدينة عدن في جنوب اليمن، ووجهه مصاب بجروح متفرقة ناجمة عن شظايا صغيرة.. ويشهد جفناه المنتفخان المغلقان والمتلونان باللون أحمر، والجرح الغائر الذي يمتد بينهما، على الأضرار التي سببها الانفجار، الذي قذف بجزء معدني في مقلة عينه اليمنى".

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش اتهمت الحوثيين بزرع ألغام محظورة مضادة للأفراد في مدينة عدن الساحلية قبل أن تنسحب منها في 15 يوليو/تموز 2015. وحملت المنظمة الدولية الحوثيون، مسؤولية زرع ألغام مضادة للأشخاص في محافظة أبين، شمال غرب عدن.

بحسب مسؤولين يمنيين مختصين في نزع الألغام وتقارير إعلامية، تسببت الألغام الأرضية والمتفجرات التي خلفتها الحرب في مقتل 11 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 12 آخرين بجروح في عدن في أغسطس/آب 2015م. كان 2 من نازعي الألغام من بين المصابين بجروح خطيرة.

مع انسحاب المتمردين الحوثيين، جنباً إلى جنب مع قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، تركوا سلسلة قاتلة من الألغام والعبوات الناسفة والشراك الخداعية.

وقد جمع موظفو مركز برنامج مكافحة الألغام في عدن - وهو واحد فقط من أربعة مرافق لتخزين الألغام المكتشفة في ثلاث محافظات، هي عدن وأبين ولحج- 1,170 لغماً خلال الفترة من 13 يوليو إلى 10 أغسطس، وكشفوا ما يقرب من 120 لغماً في يوم واحد في إحدى الضواحي الغربية بالمدينة.


وطالبت هيومن رايتس و22 منظمة حقوقية وإنسانية أخرى، في أغسطس/آب 2015م، مجلس حقوق الإنسان الأممي بإنشاء لجنة تقصّي حقائق للتحقيق في المزاعم الخطيرة المتعلقة بانتهاكات قوانين الحرب من قبل جميع أطراف النزاع الحالي في اليمن.

مسؤولون عن نزع الألغام في اليمن قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شرعوا في 11 يوليو/تموز 2015م في عملية طارئة لإزالة الألغام الأرضية والمتفجرات التي خلفتها الحرب في عدد من الأحياء السكنية التي كانت تحت سيطرة الحوثيين في عدن، ومنها خورمكسر، الجلاء، والمدينة الخضراء في حي دار سعد، وبير أحمد وعمران في البريقة.

في 18 أغسطس/آب 2015م، طلب مسؤولون أمنيون محليون من منظمات دولية غير حكومية عاملة في جنوب اليمن الحدّ من تحركاتها.

جاء التحذير بسبب المخاطر الناتجة عن الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون قبل انسحابهم منها، وخاصة في المناطق الشمالية والشرقية في عدن، وفي محافظتيّ أبين ولحج المجاورتين.

تسببت الألغام التي رزعتها قوات الحوثيين قبل انسحابها من عدن في يوليو/تموز 2015 في سقوط عديد من الضحايا..

نظراً لعدد العبوات التي تم اكتشافها، يُقدر المشاركون في إزالتها أن هناك حوالي 150,000 لغم مزروع في هذه المحافظات الثلاث وحدها.

بالمعدل الحالي.. يقول خبراء مختصون أنه بالنظر إلى قدرة فرق إزالة الألغام المتضائلة وسوء التجهيز ونقص التمويل، سوف تستغرق إزالة كافة العبوات الناسفة والألغام ما بين خمس وثماني سنوات.

وقد لقي بعض سكان عدن مصرعهم جراء الشراك الخداعية المزروعة في منازلهم وسياراتهم، وهي غالباً ما تأخذ شكل قنابل يدوية مجهزة بحيث يتم نزع مسامير الأمان عند فتح الباب.

في الوقت نفسه، تواصل أعداد القتلى، أو المشوهين مثل فايز، ارتفاعها جراء انفجار الألغام وعدم قدرة نظام الرعاية الصحية المنهار على تلبية احتياجات علاجهم.

تقول المنظمة الدولية: قام الحوثيون كذلك بزرع ألغام أرضية في محافظة أبين، المحاذية لـ عدن من الشرق، بحسب موظف نزع ألغام يمني متقاعد أفاد هيومن رايتس ووتش إنه شاهد مقاتلين حوثيين يزرعون ألغاما، قبل أن تشن عليهم القوات الجنوبية هجوما لطردهم من المنطقة..

يقول الموظف المتخصص بنزع الألغام: لما بدأت المقاومة الجنوبية في مهاجمة أبين من جهة الجنوب يوم 8 أغسطس/آب 2015م، شاهدت (قوات الحوثيين) تنسحب من مناطق في أبين، مثل لودر. شاهدتهم (الحوثيين) من أعلى جبل صغير هنا في لودر، وكانوا يزرعون ألغاما في مناطق خاضعة لسيطرتهم.

ويضيف:" لم أتمكن من تحديد نوع الألغام بينما كانوا يزرعونها لأن المكان كان بعيدا. ولكن بعد ذلك تفقدت المكان وقمت بنزع ألغام مضادة للأشخاص وعبوات ناسفة بدائية الصنع. فجّرنا بعضها لأنها كانت خطيرة جدا، وأرجعنا البعض الآخر إلى المركز الوطني لنزع الألغام".

العقيد عبد الله علي سرحان، مهندس في المركز الوطني لنزع الألغام في دار سعد في عدن، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن فريقه قام بنزع ألغام مضادة للعربات سوفيتية الصنع في عدن، ولكنه وأعضاء فريقه "صدموا كثيرا" بوجود ألغام مضادة للأفراد زرعت حديثا. أصيب عضوان في فرق نزع الألغام إصابات خطيرة أثناء عمليات إزالتها في عدن.

أطلع موظفون في مركز نزع الألغام هيومن رايتس ووتش على نوعين من الألغام المضادة للأشخاص تم نزعها في عدن: وهي ألغام من نوع PPM-2 مضادة للأفراد صنعت في ألمانيا الشرقية السابقة وآخرى مضاده للأفراد أيضا من نوع GYATA-64 صُنع في المجر. كما وجدت ألغام مضادة للعربات من نوع TM-62  و TM-57 صُنعت في الاتحاد السوفييتي السابق.

تؤكد هيومن رايتس أن الأدلة عن استمرار استخدام ألغام مضادة للأفراد من نوع GYATA-64 و PPM-2في عدن تبرز أن إعلان سنة 2002 الموجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة حول الانتهاء من تدمير مخزون الألغام الأرضية لم يكن صحيحا، أو تم الحصول على هذه الألغام من مصادر أخرى.

تقول المنظمة الدولية: لا يُعتقد أن الألغام المضادة للأفراد من نوع GYATA-64 و2 PPM- حديثة الصنع لأنها صُنّعت في ألمانيا والمجر، وكلاهما وقعت على معاهدة حظر الألغام لسنة 1997، والتزمت بعدم تصنيع أو نقل أي ألغام مضادة للأفراد.
ألغام حوثية محلية الصنع


في حين مصدر أمني متخصص بنزع الألغام أفاد إن العبوات الناسفة التي عُثر عليها في عدن كانت محلية الصنع. وقال لـ وووتش إن العديد منها كانت "موصولة بدواسة تبعد حوالي مترين أو 3 أمتار عن مكان اللغم. وهذه الدواسة مصممة حتى للأشخاص ذوي الوزن الخفيف، وبمجرد أن يدوس عليها شخص ما، ينفجر اللغم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016