اخر الاخبار

تعز 29 مايو.. حتى لاننسى هولوكوست الحرية



وكالة أرصفة للأنباء/ وليد عبد الواسع*

سيظل التاسع والعشرين من مايو، احفظوا هذا التاريخ جيدا، ذكرى أليمة وعالقة في ذاكرة أبناء تعز لاتموت..

خلود هلوكوست الحرية وأهوال محرقة ضحيتها، المسكوبة حقداً، 13 شهيداً ومايربو عن 200 جريحاً بالرصاص الحي وأكثر من 1000 مصاباً بالغازات السامة..

17 ساعة، هي المدة التي استغرقها بلاطجة وبيادق علي عبد الله صالح لاقتحام ساحة الحرية بتعز يوم التاسع والعشرين من مايو العام 2011م..

تمام الحادية عشر ليلاً كانت الساحة، التي تهز بعرش طاغية مستبد ظل ثلاثة وثلاثين عاماً يثخن في جسد شعبه الجراحات، مع فصل وموعد أسود من الحقد..

كانت الجرافات قد بدأت بدك حواجز المدخل الشرقي للساحة كما تم إشعال الحريق بالخيام فيما إطلاق النار الكثيف لم يتوقف.. لتبدأ المحرقة..


جريمة مخططة
هولوكوست الحقد الأسود أو محرقة ساحة الحرية بتعز.. تفاصيل رعب وهول فاجعة بدأت من اعتصام شباب الثورة الشبابية الشعبية السلمية أمام إدارة أمن مديرية القاهرة في المدخل الشرقي لساحة الحرية، للمطالبة بإطلاق سراح عن مجموعة من شباب الثورة اعتقلهم جنود إدارة أمن القاهرة، وبدون تردد اتخذ مطبخ قمع الثورة من الاعتصام، فرصة لتنفيذ مخططهم باقتحام أولى ساحات الثورة، معتقدين بأن إخماد شعلة الثورة السلمية تبدأ من اقتحام وإحراق ساحة الحرية، لكن ما حدث هو العكس، وبفعل فضاعة المحرقة تحولت مدينة تعز إلى ساحة حرية.

يروي الزميل محمد سعيد الشرعبي ماذا حدث قبل حلول الليل، وتحديدا الخامسة من مساء الأحد الموافق 29 مايو 2011، حين تداعت قوات أمنية وعسكرية ومجاميع بلطجية لتنفيذ مخطط وأد الثورة في أولى ساحتها من كافة الاتجاهات، وبعد ساعة من إطلاق النار وقنابل الغاز لتفريق المعتصمين أمام إدارة أمن مديرية القاهرة بقيادة مديرها " أحمد عبده سيف "، يومها وثقه الشباب وهو يطلق النار عليهم من سطح مبنى إدارة امن القاهرة، بدأت محرقة "الحقد الأسود ".

كانت إرادة الشباب أكبر في مواجهة الرصاص الصادر عن إدارة امن القاهرة، لكن مخطط اقتحام الساحة كان معد سلفا _ هناك أدلة وشواهد تؤكد تلك النوايا الدفينة _ ، وفي تمام السادسة مساء، باشرت قوات أمنية بمعداتها وآليتها عملية اقتحام الساحة تحت غطاء ناري من كافة الاتجاهات ومداخل الساحة.

وسط مشهد مهيب بهتافات الثورة وأغاني وطنية تصدح من منصة الساحة،واجه شباب الثورة المعتصمين بالساحة آلة الموت بإصرار عجيب وتضحية مشهودة لأكثر من خمس ساعات، وكانت أمطار الرصاص تنهمر من كل اتجاه وأدخنة الغازات تخنق الشباب العُزل وبالذات المدخل الشرقي للساحة.

يقول الشرعبي بعد أن حال الصمود الأسطوري للمعتصمين لأكثر من خمس ساعات بين المجرمين وغايتهم في اقتحام الساحة، هدأت أصوات الرصاص، فيما صوت وهتافات الثوار لم تهدأ وسط ظلام يلف أرجاء مدينة تعز، وبين لحظات انشغال بعض من الشباب إسعاف الجرحى بالرصاص والمصابين بالغازات، ونقل صور وفيديوهات بداية الاقتحام، تراجع المهاجمين لإيهام المعتصمين بانتهاء مهمتهم القذرة، لكنهم تراجعوا لترتيب أدواتهم وقواتهم لاقتحام واسع.

يضيف: قبل ذلك، وبحيلة غير متوقعة، أرسلت تلك القوات عدد من جنودها إلى الساحة بعد تظليل الجميع بأنهم قرروا الانضمام للثورة وبين التهليل لانضمامهم المزعوم وتوجس كثيرا من الشباب، أثبتت اللحظات التالية بأنهم فريق استطلاع لرصد حالة الساحة، وعدم وجود مسلحين سيدافعون عن الساحة والحارات الغربية والشمالية للساحة.

يواصل الشرعبي حديثه: توقف المُقتحمين من إطلاق النار والغاز قرابة ساعتين في ليل موحش بالخوف والارتباك الحاصل بين الشباب نتيجة مخاوفهم الصائبة من وصول تعزيزات عسكرية وأمنية بالتزامن مع دخول سرية جنود إلى الساحة بذريعة "الانضمام للثورة"، لتبدأ عاصفة الاقتحام الوحشي لساحة الحرية بعد توافد التعزيزات من الحرس الجمهوري سابقا وقوات الأمن المركزي والشرطة العسكرية بالإضافة إلى مجاميع بلطجية.

بمختلف الأسلحة وقنابل الغاز والأدوات الحارقة بدأت تلك القوات من الاجتياح الأخير جدران الصدور نحو الساحة في الحادية عشر مساء، وبتوحش غير مسبوق، تمكنت تلك القوات من الوصول إلى الساحة بعد سقوط عشرات بين قتيل وجريح، بالإضافة إلى مئات من المصابين بالغازات.

بعد أربع ساعات صمود تراجع الشباب بفعل كثافة ما تتعرض له الساحة من الرصاص والغازات، وشددت تلك القوات ضرباتها على المعتصمين بعد إزالة الحواجز الخرسانية على مداخل الساحة وبالذات المدخل الشرقي، بعدها تغلغلت تلك القوات في قلب الساحة، وضرب فندق المجيدي الذي يتخذ منه شباب الثورة مركزا إعلاميا وتدمير المنصة.. وبدأت المحرقة.


يؤكد شباب الثورة والمراكز الحقوقية التابعة للثورة، ومنظمات المجتمع المدني بأن اقتحام وإحراق ساحة الحرية جريمة مخطط لها بعناية، ولم تكن وليدة لحظتها، وتشير معلومات متطابقة بأن مجزرة جمعة الكرامة ومحرقة ساحة الحرية، خطط لها من قبل الرئيس المخلوع وأبنائه، ونفذتها قواته وبلاطجته.

من الأدلة عن مخطط ساحة الحرية، نشر شباب الثورة في تعز عديد من الأدلة منها، استئجار مدير امن تعز السابق العميد عبد الله قيران فيلا مطلة على ساحة الحرية لمراقبة الساحة قبل الهجوم، ولإدارة عملية الاقتحام والإشراف عليها، بعد اجتماعات في الأيام السابقة للمحرقة جمعته بقيادات أمنية وعسكريه وبحضور المحافظ السابق حمود الصوفي والأمين العام لمحلي تعز محمد أحمد الحاج.

الدليل الأكبر ما كشفه الشيخ حمود سعيد المخلافي، عن تلقيه مطلع مايو 2011 قبل إحراق ساحة الحرية عرضا من الرئيس المخلوع علي صالح مبلغا قدره 2 مليار ريال كهبة له وأصحابه مقابل التخلي عن انضمامهم للثورة عبر رئيس جهاز الأمن السياسي غالب القمش.

المخلافي كشف هذا العرض، مؤكدا دقة معلومات عن مخطط الاقتحام، كما أشار إلى أن تقديم المخلوع لهذا العرض كان في منزل خال المخلوع..

يقول المخلافي بأن جوابه كان على القمش والقاضي بعد رفضه الحديث الهاتفي مع المخلوع:" قامت الثورة من أجل إنقاذ اليمن ومحال التراجع عنها"..

من قلب المحرقة

كان وضاح أحد ضحايا نظام علي عبد الله صالح، وحين اتقدت ثورة الشباب السلمية في ساحات وميادين التغيير وجد نفسه بين جموع التغيير في ساحة الحرية بتعز.. وهناك ظل وضاح يخطط لمستقبله القادم ليمن قادم بلا علي عبد الله صالح.. لكن بلاطجة صالح وبيادقه سرقوا روح وضاح.. ومساء المحرقة كان وضاح يرتقي في ملكوت الله..

اختار وضاح الشاب العشريني وضاح مستقبله في ساحة الحرية بتعز بعد أن عجز عن إكمال دراسته وتوقف في المرحلة الإعدادية بسبب مرض أبيه واضطراره للعمل سائقاً لباص بالأجر اليومي..

استشهد وضاح وهو يطفئ خيمة المعاقين التي اشتعلت فيها نيران الحقد من قوات النظام السابق حسب ما قاله أبلغ أحد من كان بجانبه عائلته حين طلب منه أحد الجنود التوقف عن إطفاء الخيمة كون أن من يتواجد في هذه الساحة هم لا يستحقون الحياة..

رد عليه وضاح ساعتها أنكم أنتم من تحرقون هذه الخيام لأناس سلميين ومعتصمين باحثين عن حقوقهم بمواطنة متساوية وعدالة اجتماعية مما جعل رجل الأمن بضغطة زناد البندقية يرديه على الأرض برصاصة أسفل عينه.

يفيد أمين شرف ثابت القدسى- عضو اللجنة الإعلامية بساحة الحرية أنه ليومين متتاليين ولمدة (17)ساعة استمرت عملية اقتحام وإحراق الساحة، بمشاركة قوات من الجيش والحرس الجمهوري والشرطة العسكرية والأمن العام وموالين وزعوا في المباني المجاورة لتنفيذ عمليات قنص.

وعلى إثر تظاهر الشباب عصر الأحد 29/5/2011 أمام إدارة أمن مديرية القاهرة للمطالبة بإطلاق سراح زميلهم تم مجابهتهم بالرصاص وقذفهم بالأحجار ما أدى إلى استشهاد(4)شهداء وأكثر من(30)جريح.

يضيف شرف:" استمر هذا الوضع حتى الحادية عشرة ليلاً، كنا في الساحة خلال ذلك الوقت،والذي بدأ فيه إطلاق قنابل الغاز والمسيلة للدموع بكثافة كبيرة باتجاه الساحة وباتجاه النساء اللاتي أصبن باختناقات وتم إسعافهن بأعداد كبيرة،كما أطلقت القنابل الصوتية وإطلاق كثيف للنيران بمختلف الأسلحة، وكان فندق المجيدى قد استهدف بشكل كبير كما طوقت الساحة من جميع الاتجاهات".

يوضح: كانت التجهيزات الكبيرة للقوات توحي بصحة المعلومات التي أفادت باقتحام الساحة،عادةً كان يجرى توافد المواطنين والشباب من المدينة لدعم الساحة في حال محاولة للاقتحام ،هذه المرة كان هناك قوة كبيرة تتأهب لاقتحام الساحة فيما تم محاصرة مداخلها بإطلاق كثيف للنيران لمنع الناس من الوصول للساحة لدعم إخوانهم.

كانت الجرافات قد بدأت بدك حواجز المدخل الشرقي للساحة كما تم إشعال الحريق بالخيام فيما إطلاق النار الكثيف لم يتوقف.

يقول: كنت قد أعددت بياناً لألقيه بالمنصة ولم أتمكن من الوصول إليها لكثافة إطلاق الرصاص باتجاه الساحة فتحركت إلى الفندق لأخذ شنطتي التي تحتوي أوراقا ووثائق بإحدى الغرف ولم نستطع الخروج بعد ذلك منه.

يضيف:" كنا بحدود(20)شخصا في الفندق مع إدارته من الساعة الحادية عشرة ليلاً حتى الثالثة فجراً حينما اقتحم الفندق ووصل إلينا الجنود مباشرين الاتهامات بمجرد قدومهم إلى الطابق الثاني، اتهمنا بالعمل لصالح بيت الأحمر وقيل إننا استلمنا منهم مبالغ مالية".

يتابع شرف: قال لي أحد الضباط أنت تشتغل مع قناة الجزيرة كمصور أو مع قناة سهيل لأنهم كانوا يدركون أن الإعلاميين مقيمون بالفندق. تم تفتيشنا المبالغ النقدية التي في حوزتنا مهما كانت قيمته وأخذوا تليفوناتنا كما حتى ساعات اليد وأثناء دخولهم الفندق اقتحموا الغرف ونهبوا ما بها من أجهزة الكمبيوترات المحمولة والثابتة وكاميرات التصوير كما تم نهب إدارة الفندق مبالغ مالية وذهب وجنابي كانت مرهونة لديها ليتم تصفية الفندق من محتوياته من الفرش والأسرة.


كانت حالة الجنود غير طبيعية وفي حالة تشنج وأناملهم ترتعش وشفاههم أيضاً كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة والنصف لتستمر لأكثر من ساعة كان الناس لا يستطيعون التحرك من أماكنهم فناموا على الأرض.

كانوا حينها يتواصلون مع الشيخ حمود سعيد وطلبوا منه الدفاع عن الساحة، لكنه رد بأنه لا يمتلك سلاح، وكانت التحذيرات تتوالى لشباب ويقولون بأن شوارع تعز المنطقة الشرقية كلها مغلقة واحذروا اليوم يومكم وأن لم يشهد استعدادا امنيا وتجهيزات للاقتحام..

في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف كان قد تحول مدخل الساحة الشرقي إلى ما يشبه بعرض عسكري بالآليات المدرعة والأطقم ومرشات المياه والجرافات لتبدأ عملية الحرق في الساعة الواحدة، حاول شباب الثورة المقاومة بالحجارة وفصل الخيام إلا أن الرصاص ومسيلات الدموع كانت تطلق بكثافة بالغة، كما كانت تجري عملية حماية وتقدم ورش للبترول.

محرقة الحرية بالأرقام

 13 شهيدا سقطوا برصاص قوات النظام السابق ليلة المحرقة.

200 جريحا جرحى بالرصاص وشظايا القنابل.

1000 مصاب أصيبوا بقنابل الغاز.

501 خيمة  تم إحراقها في ساحة الحرية.

6 سيارات أحرقت داخل الساحة.

20 منزلا ومنشأة تعرضت للقصف بالأسلحة الثقيلة أثناء المحرقة.

32 حماما تم هدمها في الساحة.

1 فندق تدمير فندق المجيدي كان يستخدمه الشباب كمركز إعلامي.

1 مستشفى قصف ونهب محتويات مستشفى الصفوة.

6 أجهزة أمنية وعسكرية شاركت في المحرقة "الأمن العام، والأمن المركزي، وشرطة النجدة، والحرس الجمهوري، ومعسكر خالد بن الوليد، بالإضافة إلى البلاطجة".

شهداء الحرية

1 - وضاح عبد الكريم قاسم 22 سنة

2 - نزية عبد المعين قاسم المقطرى 30 سنة

3 - مرتضى مطهر إسماعيل غالب

4 - محمد عبد الرقيب عبد الرزاق على 20 سنة

5 - محمد احمد عوض البيضانى 56 سنة

6 - فؤاد عبدة غانم 36 سنة

7 - فاروق محمد سعيد أحمد 24 سنة

8 - عمران قاسم أحمد الادريسي 27 سنة

9 - أنور حمود فرحان الهبوب 22 سنة

10 – صلاح الدين احمد عبده 6 سنوات

11 _ باسم علي طالب العبسي

12- د. عصام احمد نعمان 48 سنه

13 – رضوان علي مهيوب الزبيري 28 سنه

*ينشر بالتزامن مع صحيفة أخبار اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016