كتب/ عمار الأشول
_____________
هل نحن جيل الحرب؟! تساءل أحدهم، فأجابه ظلّه قائلاً: بل نحن وقودها، نحترق أحياءً وأمواتاً، لا فرق، وليس شرطاً أن نعانق لحدنا، فعيشنا كله جحيم، وحياتنا كلها محرَقة. سأل السائل نفسه مرة ثانية: هل من وسيلة للخلاص؟ وكيف تكون النجاة؟ أجابه ظلّه بصوت مرتفع هذه المرة: لا تبحث عن وسيلة ولا تأمل بالنجاة، الموت وحده ملاذنا الأخير.
في اليمن وسوريا، حيث تأكل النار بعضها، ويأكل الإنسان بعضه، وجدنا أنفسنا. من أمامنا الموت، ومن خلفنا النار، وفي قلوبنا بسمة منطفئة لم نجد من يحييها، فلم يكن أمامنا من خيار إلا أن نقتات الصبر، ونمضغ العاطفة.
أخبرنا التاريخ أن مصير الصراعات إلى زوال؛ فمهما طال أمد الحرائق لا بد لها في نهاية المطاف من مطر يخرج العشب من بين الرماد، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: متى؟ وكم هي فاتورة التكلفة؟
يرد الظلّ مجدداً: لستُ متشائماً، ولكن الواقع يقول بأننا في اليمن وسوريا لا نعيش بداية النهاية بل بداية البداية، فكل المعطيات تؤكد ذلك؛ إذ إن مشكلتنا هي في ذواتنا كشعوب ومجتمعات قبل أن تكون مع الأجنبي. لو اكتشفنا الإنسان الذي فينا لحظة الغضب، لما حصل الذي حصل، ولو تم واكتشفناه الآن، فإن أمامنا مسافة طويلة، ومع ذلك يبقى الخيار الأخير أقرب الطرق وأسرعها.
هل نحن بحاجة إلى هتلر أم لغاندي؟ هل سننتصر بالسيف أم بالقلم؟ أنصار الفريق الأول يرون أن السلام يولد من أفواه المدافع، بينما يرى رواد الفريق الثاني أن المقاومة أشكال وألوان، وأن الوعي السلمي هو المرتكز في كفاحهم، مستشهدين برائد اللاعنف، غاندي، الذي حرر بلاده من الإستعمار الإنكليزي بالمقاومة السلمية، وضرب، بالنسبة لهم، أروع الأمثلة في التضحية والكفاح والفداء، مواجهاً عشرة آلاف مستعمر إنكليزي كانوا يتحكمون بمليار نسمة، بالإضافة إلى ابتكاره العديد من وسائل المقاومة اللاعنفية كـ«مسيرة الملح» مثلاً.
كما أنهم يستشهدون بعبد الغفار خان، ذلك الرجل البشتوني الذي ولد في قبيلة لا تعرف سوى لغة السلاح، لكنه استطاع ترويضها وإقناعها بأن العنف لا يخدم قضية، ولا ينجب سلاماً، منطلقاً من المسرح والزيارات والبساطة، للحشد والتعبئة العامة والعصيان المدني، ليصل في نهاية المطاف لأن يصبح رمزاً من رموز المقاومة، مفضلاً، كغاندي، اللاعنف على العنف.
في المقابل، يرى أنصار المقاومة المسلحة أن الحديد محراث السلام، والنار ماؤه وشمسه، مستشهدين بأمثلة كثيرة من التاريخ، تبدأ بعُمر المختار، ولا تنتهي بتشي غيفارا، كما يستشهدون بحربي كوبا وفيتنام وغيرها.
المحصلة من هذا العرض أن الخيارات مفتوحة، وكل يرى ويعرف أين موقعه، المهم أن يقاوم الإنسان ويدافع عن مبادئة بالوسيلة التي يريد، وبالطريقة التي يحب، مع تجنب العنف قدر المستطاع.
ما أضافته منظمة «بسمة»، خلال تنظيمها ندوة بالتنسيق مع جامعة «أنور»، تحت عنوان «مهارات اللاعنف في التدريب الإجتماعي وحقوق الإنسان»، هو أنها ساعدتنا على اكتشاف الإنسان فينا وفي غيرنا؛ فمهما بدا الإنسان عنفياً إلا أن في جوهره جوهرة إنسانية، وما علينا سوى اكتشافها ومخاطبتها، لاستمالتها وإبعادها عن العنف، سواءً كان هذا العنف أسرياً أو مجتمعياً أو سياسياً، فالإنسان كما كشفت لنا «بسمة» يولد وهو يحمل بين دفتي قلبه العنف واللاعنف، والبيئة والظروف والمحيط تشكّله.
لقد منحتنا «بسمة»، خلال أسبوع، ابتسامة دائمة أعادتنا إلى طفولتنا، لعبنا وتدربنا وضحكنا كما لو أننا في السابعة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، عملت على إزالة القشور والتشوهات، وجعلتنا نعيش الحياة ببساطة بلا رسميات أو «إتكيت»، بلا «برستيج» قاتل.
والأهم من كل ذلك أننا تدربنا على يد العديد من الأساتذة الجامعيين، كيف نكون دعاةً للمحبة والسلام في بلداننا. لقد استطاعت «بسمة» إلغاء التشاؤم الذي كان يرافقنا كظلنا، وصنعت في وجوهنا بسمة لا تنطفئ، مهما كانت الظروف حالكة.
#برمانا
#لبنان
#لبنان
نقلاً عن موقع العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق