اخر الاخبار

غردقة البحر الأحمر



حامد السقاف
__________

كانت الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل، حين تحركت الحافلة. كنت أمني النفس بأن أستمتع بقراءة رواية خلال ساعات الرحلة، كنت قد حضرتها خصيصا لهذا الغرض. ولكني فوجئت بأن سائق الحافلة أطفأ الأضواء بمجرد أن انطلق خارج المدينة.

الرحلات الليلية لا تمنحك متعة المشاهدة، بسبب الظلام الذي يحيط بك، إلا من بعض الإضاءات المتناثرة هنا وهناك. 

الطريق واسعة جدا، وتكاد تكون بمواصفات دولية، ذات خطوط متعددة، تمنح السائق أريحية السرعة.. ولكن ذلك يحاصرني بفوبيا السرعة، والقلق الذي يلازمني جراء ذلك.

التكييف البارد يبعث على الخمول والإسترخاء، وربما يغري البعض بالنوم. أنا لست من ذلك النوع الذي ينام أثناء السفر، كما تفعل زوجتي العزيزة. أظل قلقا، متوترا، أراقب من بعيد، مدى فعالية سائق الحافلة، ويقظته.

المقعد المجاور لي كان يحتله مهندس نفط مصري، سريعا ما تآلفنا بفتح حوار، كعادة العرب، حين  يلغون التكلفة المصطنعة، ويخوضون في كل شيء. وتلك متعة السفر، والنقاء الطيب الغير ملوث بعادات الغرب الجافة.

كانت ملامحه الأرستقراطية، توحي بعراقة محتده، وأصوله الباشوية في الملبس والحديث، والتأفف من الطبقات الثرية التي ظهرت على السطح، دون وجود تقاليد راسخة في القيم والأخلاق والممارسات اليومية. كان يسخر من حديثي النعمة، الذين لوثوا البلاد بأساليبهم الفجة، وفسادهم المعمم، وانعكاس بيئتهم على مجمل الحياة في مصر.

ونحن في الطريق شاهدت:
محطة تقوية الكهرباء، مصنع السيراميك، مصنع الحديد، مصنع الإسمنت، وأنابيب النفط، وبراميل النفط الضخمة في مياه البحر الأحمر، وفي أجواء تقارب تلك الموجودة في المخاء والحديدة، وأعمدة تشغيل الكهرباء عبر الرياح، في طريق صحراوية تشبه مأرب.

سألت جاري المهندس المصري: 
هل يوجد لديكم( شلفوت وهلفوت)؟
نظر باتجاهي مستغربا، حتى وضحت له ذلك التخريب الذي كان له عصابته المشهورة والمسعورة، والمصابة بداء الخراب والتدمير، ضمن جوقة فساد يتزعمها الزعيم الذي لا منافس له إلا أساطين الجن والأبالسة والعفاريت، والكائنات النارية التي قُدّت من الجحيم، بل وتنحني لعبقريته الشريرة.

يبقرون أنابيب النفط، يمارسون هواية رمي الأسلاك الكهربائية، ينصبون براميل التقطّع، ويقيمون الحرابة والخرابة!

هيهات أن يحدث هذا في صحارى مصر وطريق البحر الأحمر. هنا يفرم رجال الأمن، البدوي الذي يتمتم بذبح نعجته، دون علم جهات الأمن!

في منتصف الطريق، أوقف السائق حافلته أمام مطعم، وأعلن أنه سيمنحنا ربع ساعة إستراحة، قبل مواصلة الرحلة.

قلت لجاري المهندس المصري:
سائقوا حافلات الركاب يتفقون مع أصحاب المطاعم، بالتوقف لفترة الراحة، مقابل الحصول على الوجبة المجانية، وبعض الإمتيازات.

ضحك بطريقته الأرستقراطية، وقال: ربما تكون هذه واحدة من البيروقراطيات التي أورثناها لكم، مع قدوم القوات المسلحة المصرية، إبان ثورة أيلول.

المسافة بين القاهرة - الغردقة، في حدود ٤٥٠ كيلومتر تقريبا، قطعها السائق في أربع ساعات. لم أشعر بالوقت، ولا شعثاء السفر، وكآبة المنظر.

في منتجع (Coral Beach Hotel) (فندق الشُعب المرجانية)، حسب الترجمة العربية، نسيت كل أتعابي، وبدأت منذ ولوجي المكان، أتحسر على الأيام التي أضعتها في المهندسين، وضجيج القاهرة.

   

                    *****
حين يكون البحر صديقا لحوريات الموج، لا يجد الحزن طريقا لإفساد المتعة.

حين تبيح الفاتنات أجسادهن 
للرمل وللبحر وللذين يغضون أبصارهم، أتصالح مع بصري.
لا تمنع صلحي يا باذخ الشعر،
لسن غزاة يا صاحبي 
هن عراة للريح، للنخل..
لفينوس حين تُخلق من زبد البحر،
قل لو كان البحر نساء باللون الأحمر 
والأشقر، والبرونزي  
والشفق الأرجواني..
لنفد البحر، قبل أن تنفد نساء الكون!
لا يعرف مولود في وطني 
من أين يجيء المواليد؟
فكيف يقيس الجسد الأنثوي، 
ولا يغرق في المتاهات؟ 
     
الغردقة - آب  ٢٠١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016