هشام محمد
________&
تسعة أشهر مرت منذ أن تم إيقاف صرف الرواتب الشهرية لموظفي القطاع العام. ابتدأ ذلك بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن بالقرار الذي اتخذه الرئيس هادي بشكل مستعجل، بعد إفراغ الحوثيين للخزينة العامة للبنك المركزي من الإحتياطي النقدي، وهو ما اعتبره مراقبون إنقاذاً لتحالف الإنقلاب، الذي كان على وشك إعلان عجز حكومته عن تغطية نفقات الإدارة، وتكاليف تشغيل المؤسسات العامة التي يسيطرون عليها، بل إن القرار وفر لهم الذريعة المناسبة لتعجيل خطوة إيقاف صرف مرتبات الموظفين بشكل حاسم، وإلقاء اللائمة على من اتخذ القرار، واعتبار أن كل من يطالب برواتبه «طابور خامس»، يستحق العقاب والزج به في السجن.
ذلك القرار لا يعكس ارتباك الشرعية فحسب، بل إنه يعكس الفرادنية والمزاجية، و اللامبالاة بتبعات القرار، والاستهتار بحياة المدنيين.
فإلى الآن لم تستفد الشرعية من الوقت المتاح لها لترتب إجراءاتها الإدارية، وتؤهل المرافق المطلوبة، وتحصل على البيانات الإلكترونية اللازمة، وتضع السياسات البديلة، وسياسات الطوارئ لمنع تضرر المدنيين، بل إنها لم تضع لهم أي اعتبار لكل ذلك، وإلا لكان الوضع مختلفاً، خاصة وأنها امتلكت الوقت الكافي.
فمن غير العقول أن يتم اتخاذ قرار مصيري كهذا بدون الترتيب المسبق لكافة الإحتمالات، وأيضاً وضع البدائل والحلول لمن سيتضررون من القرار. ومهما كانت خلفية اتخاذ القرار وترتيباته، فإن من اتخذ قرار نقل البنك لم يكن عند مستوى قراره تجاه المدنيين الذين تعتمد حياتهم كلياً على رواتبهم.
فالمراهنة من قبل الشرعية تقوم على أن انعدام السيولة، وتجويع الناس، سيعملان على تثويرهما ضد الحوثيين، أو سيحققان لها مكسباً سياسياً أمام الرأي العام الدولي، وهي بذلك تتخذ منهم مترساً.
ذلك التفكير هو كذلك أيضاً بالنسبة لتحالف الإنقلاب، الذي نهب احتياطي البنك من العملة، ليلقي باللائمة على الطرف الآخر، ويستفيد من السيولة التي بحوزته لدعم جبهات الحرب التي يمولها، والأهم من ذلك تغطية المكافأت والهبات الممنوحة لقياداته وثرائهم الفاحش من المال العام.
حالياً، تمتلك الحكومة الشرعية في عدن القدرة على صرف مرتبات موظفي الدولة، ولديها خيارات عديدة لإيصال المبالغ، بل وتمتلك كافة البيانات المالية، ولكنها لا تتصرف كدولة.
فهي تستخدم مرتبات الموظفين في صنعاء والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون كورقة ضغط سياسي، وتعمل على تأزيم الحالة الإنسانية، بمنع الرواتب عن شريحة الموظفين، وعندما نتحدث عن موظفين حكوميين، فإننا نتحدث عن شريحة مجتمعية تعتمد كلياً على ذلك الراتب الذي لا يساوي في الأغلب 200 دولار شهرياً للفرد أو الأسرة، لكن ايقافه معناه الجوع وتبعاته؛ كعدم القدرة على الحصول على العلاج والمياه النظيفة مما يؤدي إلى انتشار الأوبئة كالكوليرا، والتجويع المتعمد للمدنيين.
لذا، فنشر المجاعة ونشر الأوبئة يعتبران جريمتين من جرائم الحرب ضد الإنسانية، والحكومة في عدن تعرف أن ذلك الحصار لا يمس الحوثيين ومحاربيهم، بل يستهدف المدنيين، ولذلك يمتد التجويع المتعمد إلى المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها الشرعية نفسها كتعز، وهو ما ينفي كل المزاعم التي تدعيها الحكومة عن إحجامها عن تحويل الرواتب إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
تلك الإدانة ليس معناها تبرئة تحالف الإنقلاب، أو إخلاء طرفه، لكن يجب تسمية الأشياء بمسمياتها: الحكومة الشرعية هي من تتحمل المسؤولية وتبعات قرارها بنقل البنك؛ فسلطات الامر الواقع في صنعاء أخلت مسؤوليتها بعد قرار نقله، ولأنها غير شرعية فالاحتجاج والضغط للمطالبة بالرواتب لا يكون إلا ضد الشرعية، فأي احتجاج ضد سلطات الإنقلاب يجب أن يكون رفضاً لها ولتواجدها واستمرارها من الأساس، وليس مطالبتها بالحقوق.
وما أود التأكيد عليه هو أن الحكومة الشرعية تمتلك القدرة على درء مجاعة وشيكة، لكنها تستمر باحتجاز مرتبات الموظفين، وبذلك تمارس جريمة تعمد التجويع الجماعي ضد المدنيين، ونشر المجاعة، وما يلازممها من انتشار للأوبئة والأمراض، وهما جريمتان ضد الإنسانية، وقد حان الوقت لإدانة الشرعية، فهي صاحبة اليد الطولى في ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق