تقرير_ محمد الحيدري
_______________&
لا تقتصر معاناة النساء في الحرب اليمنية على ظروف النزوح ومشاعر الخوف من عمليات القصف، بل تزداد قساوة في ظل انقطاع الخدمات العامة، مما يدعوهن للقيام بمهمات شاقة في ظل انشغال الرجال بالحرب وبالبحث عن فرص لإعالة أسرهن.
كانت السيدة "ريم الحبيشي" حاملا في شهرها الثامن وأصابها إغماء إثر هلعها من غارة جوية اثناء مرورها في الطريق العام، وهي عائدة من زيارة الطبيب الى منزلها الواقع شمال صنعاء. وفي هذه الأوضاع تعرضت للإجهاض. وتتذكر ريم في حوارها مع DW/عربية:"عندما سمعت الانفجارات ودويها اغمي علي ولم أفق إلا وانا أجهض".
"الموت في المنزل أهون من الموت في الطريق"
كثير من النساء اليمنيات خصوصا الحوامل منهن يرفضن الذهاب الى المستشفيات بسبب الغارات الجوية المباغتة ويفضلن استقدام طبيبة أو قابلة إلى المنزل، غير أن هناك أيضا مخاطر كثيرة، كما حدث للسيدة "بشرى العريقي " التي تخوفت من حدوث غارات ولم تذهب للولادة بالمستشفى.
وتقول" بشرى" ل DW /عربية " الموت في منزلي أهون من الموت في الطريق. لكني دفعت ثمن خوفي مقابل حياة طفلي" فقد توفي طفلها بعد ولادته لعدم القدرة على التنفس ، حيث لم يكن بالبيت جهاز اكسجين، كما في المستشفى .
يضطر كثير من أهالي الاحياء القريبة من المنشئات العسكرية في صنعاء التي تستهدفها قوات التحالف بقيادة السعودية الى الهروب من المنازل بسبب القصف الجوي الذي يجعلهم عرضة لمخاطر الاصابة أوالقتل جراء تطاير الشظايا.
السيدة "ملكة سعيد" التي تعول خمسة اطفال وتقطن بأحد المناطق القريبة من "معسكر الاستقبال " في صنعاء تروي ل DW /عربية بعض المشاهد المروعة التي عاشتها جراء غارة جوية وتقول: "الضربات الصاروخية الاولى هدمت نوافذ منزلي وسمعت دوي الانفجارات المتلاحقة. كنت أشعر بالارض تتحرك من تحت قدمي ، ولم أعرف كيف أهرب بأطفالي وزوجي المعاق حركيا ،كنت أرى الموت الأكيد".. وبفضل الله تمكنت من النجاة ولكني حزينة على جيراني الذين فقدوا حياتهم".
وبالاشارة الى غياب العديد من الرجال بسبب الحرب، تحكي السيدة أم شائف أن زوجها لا يستطيع توفير الغاز بسبب انعدامه في الأسواق أو لارتفاع ثمنه الذي يصل في السوق السوداء الى22 دولارا ل20 لترا . وقد تكون مرغمة على استخدام "نشارة الخشب " أو "الكرتونة" لطهي الطعام. "أم شايف " تقضي اوقاتا طويلة في البحث عن هذه السلع المرمية في الشوارع العامة كما تقول ل DW/ عربية. وقد تضطر أحياناً لشراء مخلفات الاخشاب والكرتونة من محلات تجارية تروج لمثل تلك السلع. السيدة "ام احمد " توضح من جهتها أنها تلجأ الى استخدام "الفحم" في اعداد الطعام إن صعب الحصول على الغاز المنزلي .
مثل هذه الأوضاع ترغم النساء على القيام بمهمات إضافية في رعاية العائلة، بما في ذلك العمل على تلبية حاجياتها من خلال استخدام بدائل بدائية وشاقة ومرهقة، مثل الاحتطاب ونقل المياه من الابار وانارة المنازل بالشموع أو" بالفوانيس" التركية القديمة، ناهيك عن مشقة الاعمال المنزلية اليومية.
وتواجه نساء الطبقات المهمشة" الاخدام" واقعا اكثر مأساوية. فهن لا يستطعن الحصول على هذه البدائل في كثير من الاحيان كما هو حال السيدة "مخلص قائد" التي تواجه صعوبة في الحصول على "الكرتونة او نشارة الخشب " وتسعى مع عدد من نساء حارتها الى تجميع ما توفر لديهن واستخدامه في " تنور " واحد ، فيتبادلن الادوار في طبخ الطعام لأسرهن ويوفرن في "استهلاك الطاقة".
ويعتبر الخبير الاجتماعي الدكتور أحمد حمود أن المرأة اليمنية في ظل الحرب تعاني من ظروف النزوح واللجوء والتهميش وتفاقم مشاعر الحزن وخيبة الأمل. ويتحدث ل DW /عربية قائلا: "الحروب زادت من مشاكل المرأة اليمنية ومسؤولياتها: فهي تسعى الى سد الثغرات الاقتصادية للأسرة التي يخلفها غياب الرجل في المعارك، كما إن الحرب أدت الى اتساع رقعة الفقر بين النساء وجعلتهن اكثر عرضة للتعدي على حقوقهن". ويعتبر الطبيب اليمني المتخصص في امراض الجهاز التنفسي مختار عبده خالد في حديثه مع DW /عربية أن الطهي على مواقد التنورات التقليدية يعزز من فرص الإصابة بأمراض الرئة كما يُزيد من مخاطر الإصابة بمرض "انسداد القصبات الهوائية المزمنة" (COPD) ، فضلا عن التهاب الجيوب الانفية والصداع.
تعيش العاصمة اليمنية صنعاء ازمة خانقة في التزويد بالمحروقات، حيث تقف طوابيرالسيارات أمام محطات الوقود والغاز، وهناك تتساءل السيدة اروى الهاملي بحزن وامتعاض: "الى متى سيظل هذا الوضع كذلك؟ لم نعد نتحمل! "
المدنيين من بين ضحايا الغارات الجوية
وفي شق اخر من جانب الازمة والمعاناة تتحدث السيدة غاده محمد عن الليالي الحالكة بسبب الانقطاع الدائم للكهرباء فتلجأ لاستخدام الشموع في انارة منزلها، مشيرة أنها لا تستطيع شراء اجهزة الطاقة الشمسية بسبب ارتفاع اسعارها في السوق السوداء لعشرات الاضعاف وتضيف: " نتيجة للانقطاع المتواصل للكهرباء اقوم بنقل المياه من خزان المنزل الارضي الى شقتي الكائنة في الطابق الخامس".
ينتاب كثير من النساء اليمنيات الشعور بالإحباط جراء استمرار الحرب وغياب بوادر حل الازمة في البلاد. المعلمة بمدرسة خاصة أنيسة سلطان، وهي متوقفة حاليا عن العمل تقول: "أرهقنا واقع الحال و لكن أملنا بالله كبير" في حين تقول الشابة أمنية وهي طالبة في كلية التجارة بجامعة صنعاء: " توقفت الدراسة بسبب الحرب ولا نعلم ما سيأتي به المستقبل" أما الحاجة "أم أيمن" وهي عاملة نظافة ولم يعد لها عمل بسبب اوضاع الحرب فتقول" ما عدت أستطيع إعالة نفسي ولا توفيرعلاجي، لكن الله كريم" .
المصدر دويتشه فيله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق