ناجي ناجي
قصة 9249
عاشت الجمهورية..
تسقط الجمهورية الملكية..
تسقط الملكية
الحلقه الاولى
ساروي حكاية قد تبدو خيالية، لكنها قصة حقيقية حدثت لي يوم 2015/9/26، فبعد ليلة مليئة بالكوابيس، كانت اصوات رصاص الاشتباكات المسائية قد تواصلت مع الفترة الصباحية، أسمعها من عدة جبهات في مدينة تعز، كانت مدعاة للخوف والاختباء في المنزل، لكنني، وجدت نفسي مدفوعاً برغبة ملحة خفية، في الخروج متجاوزاً كل المحاذير والمخاوف، خرجت من منزلي الكائن في حارة المستشفى الجمهوري، وليس لي هدف، اسلك طريقاً دون اخرى، وألج زقاقاً دون أخر، وكأن شيئاً يدفعني، ويختار لي الطريق، حتى وجدت نفسي في الباب الكبير، كان الناس حولي يهطعون ويهرعون، يشترون حاجاتهم باسرع مايمكن، وانا ايضا اسرع الخطى.. ولكن بدون هدف، خرجت من باب الكبير إلى شارع 26 سبتمبر، ومنه الى شارع التحرير، ثم شارع جمال- شرقاً، ثم العوده إلى شارع 26 سبتمبر مره اخرى، ثم اتخذت الازقة طريقي، من زقاق إلى أخر، في احدى الازقة، هناك، رأيت ركام منزل اصابه صارخ كاتيوشا، من الركام يبدو أن المنزل -الذي كان منزلا- كان بسيطا.. بسيطا وقديما، كان بنائه من البلك والخشب، وقفت اتامله، آملا، ان يكون اهله قد نجوا، اصابني العياء من الوقوف، فجلست على حافة ساحته، اعتقدَ اهل الحارة انني من اقارب اهله، فراحوا يواسونني في البيت المهدم، ويحمدون الله ان اهله لم يكونوا فيه، اسعدني الخبر لنجات اصحابه، لكنني وجدت نفسي مرغماً على البقاء، مقيدا على الارض، والشمس قد مالت من كبدالسماء، وأنا مرغماً على البقاء، حتى أن الجيران راحوا يشفقون عليَ، اخرج احدهم لي جرعة ماء، واخر، جائني بكباية شاي وقرص روتي، وجاءت عجوز بطبق بيضة مسلوقة وكدمة وكاسة شاى، وقبل آذان العصر، رايت ظل انسان يقف خلفي إالتفت إليه، كانت امرأه مشرشفة مرفوعة خنتها وتخفي وجهها خلف لثامها، بدت عيناها البنيتان مليئة بالحزن، قصيرة البدن نحيلة الجسم، نهضت من مكاني فزعاً، إنها هي التي جائتني في كابوس البارحة، واصلتْ تقدمها حتى وقفت بجانبي، رفعت يدها واشارتْ بأصبع سبابتها، وقالت:
-هناك.. تحت ذلك الحجر .
بدت يدها سمراء بسمره اليد التي رأيتها بالامس، كانت تأشر باصبعها وتكرر:
-اذهب.. اذهب .. اذهب.
كان كابوساً مخيف، سألتها مستغرباً:
- اي حجر!.
- ذلك الذي بين بلكتين.. تحته.. ستجد ما جئت من اجله
التفت إلى المكان الذي أشرت لي عليه، ثم التفت إليها منكرا أن يكون لي غرضا من مجيئي، لكنني لم اجدها، كأنها لم تكن، وتداخلت الافكار في نفسي، وبدافع لا اعرفه، خطوتُ خطوات، رفعتُ الحجر فوجدت شيئا نزعته، فكان عباره عن لفافة من البلاستيك، دسستها في جيبي وراحتْ اقدامي خفيفة مسرعة في العودة إلى منزلي.
وحين وصلت المنزل كان الظلام قد حل، فاشعلت الشمعة، وفتحت اللفافة، كان فيها دستة اوراق فلسكوب، مكتوبة بخط جميل، قراتها مرات، فوجدتها قصة.. قد تكون حقيقية وقد لاتكون، لكنهاغير مكتملة، وكأن عدة اوراق، أو عدة سطور قد فقدت، أو أنها في لفافة منفصلة، وللأمانة، اردتُ نشرها كما هي بدون نهاية، فشعرت بالتقصير على شيئ بامكاني إنهائه، وإن فعلت فساشعر بذنب التعدي على شيئ لا املكه، ثم إن الفتاة التي جاءتني في منام البارحة، كانت تنبشُ في الارض وتخرج لفافة وتمدها إليَ، كنت ارتجف من الخوف وافر وهي تلاحقني، تلك الفتاه هي نفسها التي جاءتني وأنا عند المنزل المتهدم، ثم لماذا كانت مصرة على تسليمي انا بالذات تلك اللفافة، سواء في المنام أو في الصحو، وخلال شهر كاملا عاودت الذهاب إلى ذلك المكان أسأل عن اسماء اصحاب البيت، ومتى بني واين هم اصحابه، تجرأت وسألت كبار السن من الرجال والنساء، قيل بان المنزل بني في نهاية الثمانينا، وان اصحابه لا يستقرون فيه فكل خمس أو اربع سنوات يتغير مالكه، فسألت هل كان من بين الذين سكنوا فيه امرأه اسمها فاطمة، اجاب الجميع بالنفي، ان يكونوا قد سمعوا بهذا الاسم، افترضت ان الأسماء الوارده ليست اسماء حقيقية، وافترضت ان الاماكن التي وردت ليست حقيقية، وانما هي حقائق مصاغة باسلوب قصصي، وأفرضت ثانياً، ان يكون كاتبها زكريا وخَتَمتها فاطمه، أو ان فاطمة هي التي تولت كتابتها من أولها إلى اخرها اثنا وجودها في تعز، وتوقفت القصة بذهابها إلى عدن، فافترض ثالثا أن بقية القصة كُتبتْ في عدن، وهي موجودة هناك في مكان ماء، فان كانت موجوده وزارني طيف الفتاة يوما، حتما ساعثر على البقيه، لذا عزمت على نشرها تحت عنوان - اليتيمه، لانها لم تكن معنونه، وإضافة اربعة سطور لا غير، وفاءً لكاتبها الذي لا اعرفه، ووفاءاً لطيف تك الفتاة التي سلمت لي اللفافة، وأضفت هذه المقدمة للتوضيح ليس إلا القصة
يكتض ميدان المدينة القديمة بابناء الحارة الحفاة، الفتيان يلعبون الكره، والصغار يجْرون خلف العجلات المقطوعة من اطارات السيارات، في شمال الميدان صندقة خشبية لاعداد وبيع الشاي والكدم ، تحت ظل شجرة طولق معمرة وارفة الظلال، جلس زكريا غالب ،الطالب في الثانوية العامة يتناول الكدمة والشاى بانتظار قدوم الزائرين، زكريا غالب..متوسط القامة بوجة شبه دائري ملموم عند الدقن، اسمر، مفتول العظلات ، حين يمشي يُشعرك ان كل عظلة من جسمه تنبظ وتتحرك، يسمع اراء الاخرين ، ويقول رأيه دونما اصرار على اقناعهم، فالاصرار يولد البغضاء..في امور ليست تحت ايديهم، وعلى مقربة منهم صندقة لتأجير السياكل البيدل ، في ظل الصندقة، يجلس عبد الكريم عبد الله، عمره لايزيد عن اربع وعشرين ربيعا ، يميل الى قصر القامة، على وجهه مسحة يُتم اورثتْ في نفسه ميلا الى العزلة ، كان والده مقرباً من مركز الحكم ، مال الى صف ابن الوزير ، فاعدم مع من تم اعدامهم بماعرف بحركه 48، مخلفاً ولدين (عبد الله وابراهيم )، وفتاة (زُهرة ) ،بعد ثورة 26 سبتمبر 62 اراد الالتحاق بآل البيت في نيويورك او الرياض، بعث برسائل عدة، فلم ياته الرد حتى اليوم فزاده اكتآبا، لا يقبل الانفتاح على الاخرين ، عدا والدته واخوته ، وشخص اخر يدعى الرائد محمد حسين ، جلس عبد الكريم وحيدا ، في ساعات العصر، ظهر الرائد محمد حسين من المدخل الجنوبي الشرقي بسيارته العسكرية، قادما من مسكنه في وادي المدام .
بدا الرائد كبيرا في السن، من شكله الشاحب يبدو في الخمسين ، لكن من هواه يبدو في الاربعين ، جمع بينه وبين عبد الكريم عبدالله، ماساة الماضي وأحلام المستقبل، كان محمد حسين من كبار العكفة البراني مقربا من الامام، لكن حادثة اعدام حسين بن ناصر وولده حميد، جعل الامام يبعده خارج مجلس الامامة لقربه وولائه المطلق لبيت الاحمر، هو الان ظابط برتبة رائد في لواء تعز ،
وفي تلك اللحظة ظهرت سياره بيجوت اجرة من المدخل الشمالي الغربي ، مرت من الجهة الغربية من الميدان الى منتصفه ، ثم توقفت ، فهبط منها ثلاثة افراد ، تتفاوت اعمارهم بين العشرين و الاربعة والعشرين ، يرتدون بزاتهم العسكرية، الملازم سعيد غالب، والملازم سعيد سيف، والملازم حسان حسن ، وهبط خلفهم ابائهم (غالب حسن صاحب محل بيع الحلاوة المقصقص في سوق الشنيني ، وسيف عبده صاحب محل بيع الوزف في سوق الشنيني ، وحسن علي صاحب محل بيع القماش في سوق الجمهورية) ، سار الظباط الثلاثة ، بقامات مرفوعة ،ونفوس تملائها الثقة والاعتزاز ، كانت النجوم على ألاكتاف وزرائر الجاكتات النحاسيه ، تبرق مع شمس اصيل يوم خميس من ايام ديسمبر 1965م،هب زكريا لاستقبال الزائرين ، وبعد السلام حمل عن اخيه الملازم سعيد غالب شنطته وعاد الى تحت الشجره يكمل اكل الذمول والشاى ، فرالاطفال حين شاهدوا القادمين..شياطين عكفة الامام ببنطلونات الجمهورية ، اما الفتيان فقد تركوا العابهم وهبوا لمعانقة زملاء الطفولة ورفاق الامس ، في سطوح بعض المنازل المحيطة بالميدان ، اعتلت النساء والفتيات لرؤية القادمين ، احداهن اخذها الانفعال ، فأرسلت زغروطة شقت عنان السماء ، وسرت حماستها على الأسطح الاخرى فرحا وابتهالا بعودة ابناء الحارة الذين ذهبوا صغارا وعادوا اليوم رجالا بهيئة لم تخطر على بال اجدادهم، ترك رواد المقهى أماكنهم مسرعين لتحية القادمين، بعضهم راح يمسح دمعة فرح فرت لروية اول ثمرة من ثمار الثورة و الجمهورية ، حتى اولئك الذين عضوا على النواجد حسدا ذهبوا متثاقلين للتحية ، بعد عودتهم من القاهرة ، هذه اول زيارة لهم ، زيارة قصيرة مدتها يومين ، فقد تم الحاقهم مباشرة بوحداتهم ، والقتال على اشده مع الملكيين
....يتبع الحلقة الثانية
نهاية Nagee Nagee نوفمبر 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق