اخر الاخبار

معاقل الفساد: مزاد العملة في العراق أنموذجا







فقط في العراق!! لا صوت يعلو على صوت الفساد ، وليس هناك كلمة اكثر رواجا بين العراقيين سواها ، فقد باتت محط اهتمام  الجميع وخصوصا مع انتشار الوثائق الدولية والمحلية، ليستيقظ العراقيين  الذي سئموا القتل والتهجير والفقر ، على اكبر عمليات الفساد الممنهج في التاريخ ، وبطبيعة الحال المواطن البسيط ولا احد سواه يدفع الفاتورة في النهاية.

سنكمل الحديث الذي بدأناه في المقال السابق حول مزاد العملة التي يقوم بها البنك المركزي العراقي، فأهمية هذا المزاد تنبع من كونه مزاد لصرف العملة الاجنبية في العراق لتغطية نفقات كبيرة لدعم تجارة العراق الخارجية ومن جانب أخر مساعدته على سحب جزئي للعملة المحلية من الأسواق ليساعد على الحفاظ على مستويات محددة من التضخم .

قبل ايام اعلن البنك المركزي العراقي عن قراره بحرمان ثلاثة مصارف خاصة و99 شركة صيرفة من دخول نافذة بيع العملة، لمخالفتها القوانين والانظمة الخاصة بشراء وبيع العملة الأجنبية. وهي بطبيعة الحال معلومات كنا قد نشرنا عدد من المقالات والتقارير حول الفساد داخل اروقة مزاد العملة، ولجهات شخصيات متنفذة لا تأبه بالقانون ولا الانظمة.

العديد من الوثائق كشفت عن أكبر منافذ الفساد التي تسرب منها 312 مليار دولار عبر مزادات البنك المركزي لبيع العملة من خلال فواتير وهمية.. ويبدو أن تلك الوثائق  ستتوالى تباعا للأحداث يمر بها العراق ،وبسبب الأدلة على تورط شخصيات في عمليات الفساد، ومؤخرا كشف وزير المالية العراقي هوشيار زيباري خلال لقاء تلفزيوني سابق عن تحويل مبلغ وقدره ستة مليارات واربعمائة وخمسون مليون دولار لحساب حمد ياسر محسن الموسوي مالك مصرف الهدى ،وقد اشارت مصادر الى ان المبلغ الذي تم تحويله اكثر من تسعة مليار و تم تحويله من حمد الموسوي .

ونشر البنك المركزي نسخة من كتاب مرسل الى لجنة النزاهة النيابية٬ واعلن فيه عن عدم وجود اي تحويل لمبلغ 6 مليارات و455 مليون دولار لخارج العراق لحساب الموسوي .

ان ما يسهل عمل هؤلاء الاشخاص الذين يعبثون بأموال العراقيين ، وقوف شخصيات في موقع المسؤولية خلفهم، بالتالي كان الميدان متاحا لهم ولعملياتهم المشبوهة، وهنا نذكر تقارير اشارت الى ان رئيس الحكومة السابق نوري المالكي وقف وراء شخصيات مثل؛ حمد الموسوي، والتي كان لها باع طويل في عمليات البنك المركزي وغسيل الاموال، وقد اشارت المصادر الى دفاع المالكي عن براءة الموسوي ٬ الذي يعد احد التجار المقربين منه٬ وهو ايضا احد اذرع المالكي٬ لغلق جميع ملفات الفساد التي من الممكن ان تطيح برؤوس كبيرة.


وفي الاطار ذاته  كشفت عضو اللجنة المالية النيابية ماجدة التميمي أن مدراء مصارف يستفيدون من مزاد العملة للبنك المركزي بقيمة تتراوح ما بين 300 إلى 400 مليون دولار شهرياً.

وأشارت إلى أنّ «احتياط الدولة من العملة الأجنبية تناقص كثيرًا نتيجة تسرب أموال لجيوب من وصفتهم بالفاسدين» إضافة إلى وجود 20 متهماً في هذه القضايا بعضهم بدرجة رئيس مجلس إدارة بنك.

وكما أنفرد مركز الروابط للابحاث والدراسات الاستراتيجية  في المقال السابق بالكشف عن اجتماع لعدد من أصحاب المصارف والصيرفة في بغداد حول سعر الدولار وضرورة تخفيض سعره في السوق السوداء، وهدوا بإصدار قرار بحصر المزاد بعدد محدود من المصارف.

 وكما هو معروف” فمنّ أمِنَ العقوبة أساءَ الأدب” فقد هدد حيتان المزاد بإصدار قرار بحصر المزاد بعدد محدود من المصارف، وقال البعض منهم بانهم قادرين على التحكم بكل مفاصل الدولة، وبسعر الدولار وانهم يرفضون بيع الدولار الموجود في حساباتهم في الخارج.

الخوض في موضوع مزاد العملة معقد ودقيق، نتيجة توفير الغطاء اللازم من قبل شخصيات ذات مناصب حساسة في العراق، وهذا يظهر من خلال حجم الاموال التي تمت تهريبها في مزاد العملة والتي قدرت بـــ 57% من واردات النفط منذ عام 2006، في حين تتحدث تقارير عن تهريب ما يقرب من 200 مليار دولار من العراق إلى دول أخرى بين الاعوام 2005 و2014.وكذلك تحدثت تقارير سابقة أن البنك المركزي في سنة 2009 باع 92% مما دخل على البلاد من واردات النفط”

وكان البنك المركزي العراقي باع أكثر من 44 مليار دولار في مزاد العملة الأجنبية عام 2015 وذكرت احصائية نشرها البنك أن الكمية المباعة للمصارف بلغت 44 ملياراً و303 ملايين و799 الفاً و966 دولارًا.

لقد اشرنا الى ان دين العراق يشكل اليوم حوالي 77 % من الناتج المحلي الإجمالي بينما الطبيعي ألاّ يتجاوز ال60% من الناتج المحلي الاجمالي وهو وضع غير طبيعي ويثير القلق . افرز هذا الحال نمو الدين العراقي فقد أصبح كبير وبات العراق يجري الى الدول و المؤسسات المالية المانحة كالبنك الدولي وصندوق النقد والدول الصناعية السبع، ويناقش حاليًا مع بريطانيا اقتراض 13 مليار دولار، ومع ذلك لم تتغير السياسة الحالية فأموال الشعب تسرق من خلال نافذة بيع العملة حتى اليوم.

ويشير خبراء اقتصاديين الى ان الاقتراض العراقي تجاوز 100 مليار دولار وهو رقم ضخم جداً وسيدخل البلد في نفق مظلم لأنه إذا كانت الفائدة 2% فإن العراق سنويا سيدفع 2 مليار دولار.

العمليات المشبوهة التي حصلت عبر مزاد العملة أهدرت مبالغ ضخمة من مقدرات الشعب العراقي، كما وقد تحدثت تقارير عن هدر مليارات الدولارات من قبل المسؤولين العراقيين بين 2008 و2014، في عهد المالكي الذي شهدت فترة توليه رئاسة الوزراء، أكبر عمليات الفساد في تاريخ العراق، مع ذلك لم يكن هناك أي حساب او عقاب.


في حين ان لجنة الاقتصاد البرلماني اعلنت أن البنك قدم طعنا للمحكمة الاتحادية لإلغاء تحديد مزاده بـ75 مليون دولار يوميا في الموازنة، ما أدى الى تغطية حاجة التاجر للعملة الصعبة من السوق السوداء.

أما سعر صرف الدولار في السوق العراقية فيشهد ارتفاعا متواصلا رغم إجراءات البنك المركزي للحفاظ على استقراره؛ فخلال الشهرين الماضيين شهدت السوق العراقية ارتفاعاً تدريجياً في سعر صرف الدولار مقابل الدينار، ليصل حاليا إلى 1300دينارا للدولار الواحد.

القطاع المصرفي في العراق بحاجة الى اعادة مراجعة وكاشفة، فقد شهد القطاع عمليات مشبوهة بمئات المليارات من الدولارات، بالإضافة الى انه بات مرتع لبعض الساسة والفاسدين والمطلوب اليوم ايجاد تشريعات صارمة تردع من تسول له نفسه المساس بقوت الشعب العراقي وثروات البلاد، ووضع آليات لتدقيق صحة الفواتير والتأكد من حساب الزبون وحقيقة المبالغ المطلوبة هل تغطي استيرادات القطاع الخاص أم لأسباب أخرى .

المواطن العراقي بات يعاني من هذا الفساد الذي اتى على الاخضر واليابس، وحتى مع محاولة الحكومة مواجه هذا المارد العظيم لايزال سيل الفساد هائل لا يقف في طريقه شيء ، بالتالي انفجر الشارع وخرج الآلاف من العراقيين إلى الشوارع، مطالبين بـ”تطهير” مؤسسات الدولة من الفساد، إلا أن الامر كبير بحجم الفساد وأهله، ومع ذلك تواصل التقارير الكشف عن حجم الكارثة التي حلت ببلاد الرافدين التي نُهبت خيراتها وضاعت مقدراتها وقسمت بين حفنة من اللصوص.

يقول باني نهضة سنغافورة  لي كوان يو كان  “حينما يسير اللصوص في الطرقات آمنين فهناك سببين: ” إما النظام لص كبير أو الشعب غبي أكبر“، مازال الفاسدون يمارسون عمليات سرقة مجدولة عبر مناصبهم وعلاقاتهم وعلى مرأى الحكومة. .. في حين أنتشر ظاهرة التسول في قلب العاصمة بغداد بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور في العراق، في حين بات مزاد العملة في البنك المركزي العراقي وليمة كبيرة  وغسيل للأموال وتهريب للدولار الى الخارج، وهنا على يقع على عاتق كل من الحكومة  والشعب عمل كبير جدا وسريع لأنقاذ ما يمكن انقاذه قبل ان يطبق على العراق المثل القائل “اتسع الخرق على الراتق “(يضرب في استشراء الفساد وتعذر الإصلاح).



وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للإبحاث والدراسات الأستراتيجية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016