اخر الاخبار

ذاكرة طالب عصفت بها الحرب في مدينة تعز






عبدالرحمن الشوافي
===========
 
طالب بقسم الإعلام، كلية الآداب بجامعة تعز يتحدث في ليلة الامتحان:
لا اتذكر شيء مما درسته قبل الحرب ، ولا أدري كيف وماذا سأمتحن!
ان اردتم اختباري بصفتي احد طلاب تعز المدينة المنكوبة فاسألوني عن :
تفاصيل عام ونصف من الحرب والحصار
اسألوني عن مواقع سيطرة المقاومة ، واماكن تمركز مليشيا الحوثي والمخلوع
اسألوني عن اصوات قذائف الـ B10 وقذائف الهاون والهاوزر وابرز الفروق بينهما.. !

اسألوني عن تضحيات الشهداء ، من طلاب الجامعات ، وحملة الشهادات
اسألوني عن عدد مشاهد القهر والألم التي شاهدتها ووثقتها وكنت شاهد عيان عليها طوال عام ونصف ، وعن مشاهد الدماء والاشلاء ، وعن ملامح الصغار مبتوري الأقدام ..

عن العم "درهم القدسي" الذي فقد ٧ من اسرته وبناته في ليلة واحدة ، عن الحجة لول وغزارة دموعها وهي تنتحب على اشلاء حفيديها الصغيرين ، عن محمد الذي مات نتيجة انعدام الاكسجين في مستشفى الروضه
اسألوني عن زميلي في الثانويه الذي كان ينوي ان يسجل في كلية الهندسه ، واستشهد جوار كلية الهندسه!
اسألوني عن عدد المرات التي تكررت فيها على مسامعي جملة "تتذكر فلان الذي شفناه امس صاحبنا استشهد الله يرحمه"!

اسألوني عن تاريخ بدء الحرب ، وعن جغرافية جهات المدينة الأربعة ، وفي اللغة ان سألتموني فأسعبر لكم فيما لا يزيد عن الف سطر عن حجم القهر الذي تملكني كطالب وانا اتنقل بين كليات جامعتي واشاهد الدمار الذي احدثته المليشيا في مبانيها ..
اما ان سألتموني في النحو فسأخبركم عن كرهي له بسبب عجزي عن إعراب كلمة "لاتقبروناش" !

اسألوني عن احصائية المباني المدمرة ، والمشافي المستهدفه ، والمدارس المغلقة ، والأسر النازحة
اسألوني عن تاريخ "مجزرة الكاتيوشا ، ومجزرتي الطفولة ، ومجزرة حي عمار بن ياسر ، ومجزرة حي الكوثر " متى كانت ، وكيف غرقت الشوارع بالدماء .

اسألوني عن يوم صرخة فريد ، ورحيل امجد ، واستشهاد رؤى وروان ، وعن الطفل يونس ذو الأربع سنوات الذي كان يلفظ انفاسه امامي في مشهد يوحي بموت الانسانية
اسألوني عن عدد المرات التي التقيت فيها جرحى يبكون من القهر ..
اسألوني عن فرحة عجوز نازحة تسكن "دكان قديم" بمبلغ بسيط من فاعل خير
اسألوني عن غصة غياب عام ونصف عن امي واخواني بسبب حصار المليشيا ، وعن حجم القهر وانا اسمع امي تبكي يوم عيد الفطر عند اتصالي بها عندما كانت تتمنى ان اكون بجانبها
اسألوني عن عدد الهاشتاجات ، والمطالبات ، والمناشدات ، ودعوات التبرع بالدم ،
اطلبوا مني الحديث عن معبر الدحي ومنفذ غراب كأداتي حصار فاعلة في يد المليشيا ، ومعاناة المدينة بسبب اغلاقهما
اسألوني عن اهمية منفذ طالوق كشريان انقاذ وحيد للمدينة وحجم معاناة ادخال الأكسجين وتهريبه عبر طرقه الملتويه

اسألوني عن تبة السلال وسوفتيل كـ العن موقعين ارسلت المليشيا منهما الاف القذائف على احياء المدينة
اسألوني عن الأهمية الاستراتيجية لموقع المكلكل ، وعن تبة الأرانب وعن يوم تحرير الجبهة الغربية ،وحدائق الصالح واستشهاد زميلنا محمد اليمني وعن ساعة وصول المقاومة الى بير باشا ، وفرحة الاهألي يوم تحرير الأمن السياسي وقلعة القاهرة .

اسألوني عن عدد القذائف التي استهدفت جبل جرة ، وقصفت قلعة القاهرة ، وانتزعت ارواح العشرات من الاطفال والنساء وهم نائمين ليلاً

هذا غيض من فيض مما ذاكرته واتذكره واُكرهت على دراسته ومعايشته كواقع طوال عام ونصف ، اسألوني حوله ، وامتحنوني في تفاصيلة وسأضمن لكم درجة الأمتياز ، ما دون ذالك ليس في ذاكرتي سوى اسماء دكاترتي ، وبعض اسماء المواد المقررة ، والسلام على ذاكرة طالب عصفت بها الحرب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016