وكالة أرصفة/ تقرير
حين انطلقت معركة فك الحصار عن مدينة تعز، وسط
اليمن، في الثاني عشر من أغسطس/ آب الجاري، كان يومها هشام عبد السلام، التربوي
الأربعيني، يقبض بكف على علم الجمهورية اليمنية، وفي يده الأخرى بندقيته
الكلاشينكوف، وقد تقدم صفوف المقاتلين من أفراد المقاومة الشعبية بجبهة الشقب في
جبل صبر المطل على المدينة من الجهة الغربية..
أصرّ التربوي أن يكون أول الواصلين إلى تبة الصالحين
المحررة في تلك الجبهة، لكن قبل وصوله إلى المكان المناسب، الذي سينصب فيه العلم اليمني،
كتعبير عن الانتصار انفجر فيه لغم، بترت ساقه، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة، بعد دقائق من
وصوله إلى أحد مستشفيات المدينة.
كان هشام عبد السلام، ضمن آلاف من أبناء المدينة،
المعروفة بالمدنية، ممن دفعتهم جرائم مليشيا الحوثي وحليفهم الرئيس السابق صالح للالتحاق
بصفوف المقاومة الشعبية..
جاء ذلك تلبية لدعوة وجهتها المقاومة إبان تشكلها،
للدفاع عن مدينتهم.. ولا غرابة إن حدثوك عن أن كثير من هؤلاء المقاتلين، هم من
التربويين والمهندسين، وطلبة وخريجي الجامعات..
بالنسبة لصادق حسن، وهو رجل خمسيني ينحدر من قرية الشبق،
فإن القرية "خسرت نصفها بمقتل "هشام"، إذ كان أباً لهذه القرية"،
بعدما كان يدير مدرسة السعادة شقب..
لكن عبد السلام اختار أن يضحي بحياته من أجل المشاركة
في تحرير مدينة تعز على غرار العديد من أبناء المحافظة الملقبة بـ"الحالمة".
شعار المقاومة
يروي الصحفي في مدينة تعز/ وجدي السالمي لـ"
العربي الجديد" حكاية شعار" كلنا مقاومة"، الذي صار أبعد من مجرد
شعار في محافظة، على غير المتوقع، ظلت حتى وقت قريب معروفة بأنها مدنية وتنبذ السلاح..
غير أن قطاعات واسعة من أبناء الطبقة الوسطى في تعز
أصبحت تقاتل في مواجهة مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح التي أرادت
استباحة المدينة.
لم تقتصر عملية الالتحاق بصفوف المقاومة على
الذكور فقط، فقد كان للإناث من فتيات تعز دور كبير للمشاركة في مواجهة مليشيا
الحوثي وحليفهم صالح..
حين تشكلت المقاومة في تعز، رفعت شعار "كلنا مقاومة"،
وهي الدعوة التي وجهت لمختلف فئات المجتمع اليمني، وطالبتهم بالاشتراك في القتال وإسناد
"المقاومة الشعبية".
طبِع الشعار على الجدران في الشوارع، وظهر فيه شاب
مسلح يلفّ رأسه بالعلم اليمني، ومن خلفه قلعة القاهرة التي هي بمثابة رمز الصمود في
هذه المدينة.
فرض عين
وفقاً لمصادر في "المقاومة الشعبية" فإن
عدد الذين يقاتلون اليوم ضمن صفوف "المقاومة" والجيش وصل إلى الآلاف.
أغلب هؤلاء هم من خريجي الجامعات وشباب عاطل من العمل،
لكن هناك أيضاً معلمين ومهندسين وأطباء استدعت الحاجة اشتراكهم.
بحسب المصادر، فإن كثرا من المعلمين والمهندسين أصبحوا
يقودون الجبهات، رغم أن خبرتهم العسكرية في البداية كانت بسيطة..
لكن الحاجة فرضت أن يعتمد الناس على أنفسهم في مواجهة
الحوثيين وصالح، الذين لديهم إمكانات كبيرة تجعلهم قادرين على إطالة عمر الحرب إلى
أطول فترة ممكنة..
بينما الحكومة الشرعية ظلت غير قادرة على دعم المقاومة،
واستثمار الحماسة التي تبديها قطاعات شعبية واسعة في مواجهة الثورة المضادة.
كان بين هؤلاء، الذين اختاروا مواجهة المليشيات،
مدرس الرياضيات/ عبده حمود الصغير، وهو أيضاً وكيل مدرسة باكثير الحكومية بتعز، القيادي
في المقاومة الشعبية الأشهر بالجبهات الغربية من المدينة.
ماقبل العاصفة
بعد أن يئس اليمنيون من تحقيق تقدّم وفك الحصار عن
تعز، حيث توّسعت المليشيات في حربها على المدينة باتجاه الأرياف..
استطاع الجيش الوطني، مسنوداً بالمقاومة الشعبية من
دحر المليشيات من بعض المواقع المهمة والاستراتيجية..
أبرزها تحرير منفذ الضباب من سيطرة المليشات، وفتح
هذا المنفذ الحيوي المهم لسكان المدينة، وكذلك استعادة بعض المناطق القريبة من طريق
هيجة العبد الاستراتيجي الذي يربط تعز بعدن..
في إطار خطة من ثلاث مراحل لتحرير تعز، أعلنت عنها
المقاومة الشعبية، ولم توّضح تفاصيل هذه المراحل.
يقول عبدالإله هزاع الحريبي: معلوم عن أرياف تعز أنّهم
مدنيون لا يمتلكون الأسلحة، ولم يتربوا على الحروب. ولكن، في هذه الظروف أجبر قطاع
منهم على حمل السلاح والدفاع عن أرضه وعرضه ودينه..
يضيف:" غالبيتهم العظمى من كوادر الوطن، معلّمين
وخريجي جامعات، لا يريدون لوطنهم سوى العيش بكرامة وعزة".
المواجهة الأولى
عندما قدمت مليشيات الحوثيين، ومعها قوات موالية للرئيس
المخلوع إلى تعز، أواخر مارس/آذار من العام الماضي، خرجت تظاهرات حاشدة تجوب شوارع
المدينة..
في التظاهرات السلمية أعلن المحتجون رفضهم الانقلاب
على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي. لكن المليشيا لم تعر تلك التظاهرات السلمية اهتماماً.
يتذكر مشاركون في التظاهرات تلك اللحظات عندما أطلق
المسلحون النار المباشر عليهم. يومها سقط عدد من القتلى والجرحى فتفرقوا.
أدرك المحتجون، بحسب تعبير بعضهم، "أن هؤلاء الآتين
لا يفهمون سوى لغة السلاح، ويبدو من المستحيل ردعهم بطريقة أخرى".
يومها كان عدد محدود من قوات الجيش مَن تبقّى في هذه
المدينة التي ظلت على مدى عقود مسيجة بألوية ومعسكرات من كل جهة.
لحظات فاصلة
لاحقاً ستبدأ القوات المتبقية في خوض أولى المعارك
ضد المليشيات بعدما أرادت الأخيرة السيطرة على مقر اللواء 35 غربي المدينة وانتشرت
في مداخل المدينة.
جميع قادة الألوية العسكرية والقوات الأمنية في المدينة
كانوا قد انصهروا في صفوف المليشيات وأصبحوا يأتمرون بأوامرها..
باستثناء قائد اللواء 35 مدرع- العميد/ الركن عدنان
الحمادي، المعين حديثاً في حينه، فقد أعلن انحيازه للناس وتمسكه بشرعية هادي، لكنه
لم يجد إلى جانبه سوى 600 جندي وضابط.
فرضت المليشيات حصاراً خانقاً على مقر اللواء، قبل
أن تندلع معارك استمرت لنحو أسبوعين، وانتهت بسقوط اللواء وقتل عدد من الضباط والجنود.
كانت القوات التي تحاصر اللواء كبيرة ولديها مختلف
الأسلحة، الأمر الذي دعا ضباطا من داخل اللواء وخارجه، إلى البدء في استدعاء من يريد
أن يتطوع للقتال.
بداية المعركة
تجمع المئات في 22 إبريل/نيسان من العام الماضي، قبل
سقوط اللواء بيوم. كانت قد وزعت لهم الأسلحة المتوفرة..
شكلوا مجاميع صغيرة انتشرت في مناطق لم تكن المليشيات
قد وصلتها بعد، وهي بعض أحياء وسط وغرب المدينة.
سرعان ما سقط مقر اللواء في يد المليشيات، لكن المعركة
كانت قد بدأت للتو، فالمجاميع المسلحة التي أصبح يطلق عليها "مقاومة شعبية"
أخذت تشن حرب عصابات، وتستعيد أجزاء المدينة بالتدريج.
كبرت تلك المجاميع وتنامت من خلال اشتراك متطوعين،
أغلبهم لم يكن قد اشترك في قتال من قبل. بدأ موظفون حكوميون يقودون بعض الجبهات..
كان حجم القوات التي تريد أن تسيطر على المدينة أكبر
من تهزم على يد عدد محدود من الجنود وشباب عاطل من العمل لديهم الحماسة لكن تنقصهم
خبرة الحياة والسلاح.
دور المعلمين
تحدث المعلمون تحديداً، ممن تجاوز عمرهم الأربعين وأصبحوا
يقاتلون في صفوف "المقاومة الشعبية"، عن تفصيل مهم.
أشاروا إلى أنهم كانوا قد أدوا خدمة التجنيد الإجباري
بعد شهادة الثانوية العامة، وأصبح لديهم قليل من الخبرة العسكرية..
الأمر الذي دعاهم إلى الانضمام لـ"المقاومة"،
وذلك على عكس الأجيال التي ستأتي لاحقاً، فهي بلا خبرة لأنه كان قد تم وقف هذه الخدمة
مع بداية الألفية الجديدة.
وفقاً لراشد محمد، وهو ناشط سياسي في تعز (25 عاماً)،
فإن "كثرا من المعلمين تركوا مدارسهم والتحقوا بجبهات القتال، خصوصاً أولئك الذين
أصبحت مدارسهم معطلة، وهناك أيضاً مهندسون وصيادلة".
كما لفت إلى أن "انحياز قوات رئيسية من الجيش
للمليشيات هو ما دعا هؤلاء الناس إلى الاشتراك في القتال وإسناد المقاومة الشعبية"..
خصوصاً أن "الحوثيين وصالح لم يتركوا للناس خياراً
سوى المقاومة وحمل السلاح"، حد تأكيد راشد.
بشائر الأمل
كل ما يأمله سكان تعز واليمن، وفقاً للحريبي، أن تتعزّز
هذه الانتصارات، وأن تتم إحكام السيطرة على المناطق المحرّرة، ومواصلة عملية التحرير
باتجاه الرمادة وهجدة غرباً..
وكذا تحرير ما بقي من مديرية صالة وثعبات شرق المدينة،
والعمل على تحرير دمنة خدير، وقطع الإمدادات على الميليشيات التي تهاجم الأرياف من
هذه المدينة التي تمرّ بها تعزيزات الميليشيات القادمة من محافظة أب المجاورة.
مؤكداً أن هذه البشائر أعطت دفعة قوية من الأمل لسكان
تعز، بقرب تحرّرهم من سطوة المليشيات الإنقلابية.
يقول عبد الإله الحريبي: لم يجد الحوثيون ما ينفسون
به عن هزيمتهم إلا باستهداف المدنيين بصواريخهم وقذائف مدافعهم"..
ويضيف:" ولم يقتصر هذا الاستهداف للمدينة تعز،
وإنما أصبح يمتد إلى أريافها، إذ يستهدفون المواطنين في حقولهم وبيوتهم"..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق