كتب/ عمار الأشول
___________
بداية الثورة فكرة، والفكرة لا ترى النور ما لم تكن في سر، والسر، هو الآخر، لا يدوم ولا يتحقق هدفه إلا إذا كان في قلب رجل أمين. هكذا خُلقت 26 سبتمبر، وهكذا تطورت، من فكرة إلى ثورة إلى مصير إلى أسلوب حياة، بل إلى الحياة بكل تفاصيلها. إذ إنها لم تكن ميلاد جمهورية فحسب، إنما ميلاد أمة، وشعب من الأمنيات والأغنيات والفرح.
من رحم الظلم والمعاناة ولدت فكرة ثورة 26 سبتمبر، ومن بين أكف مجموعة من الضباط الأحرار الذين لا يتعدون عدد الأصابع انطلقت. متفقون فيما بينهم على أن علي عبد المغني روح الثورة وراسم أيقونتها، فيما ناجي علي الأشول أمين سرها، بينما يتولى بقية رفاقهم، رفقاء السلاح والكفاح، باقي المهام والمسؤوليات التي لا تقل أهمية عن مهامهم.
ولد الأشول عام 1934م في قرية بيت الأشول، بمديرية السدة، ثائراً بالفطرة، مُجمهراً بالمبدأ، منادياً منذ أعوامه الأولى، رغم انتمائه إلى عائلة برجوازية، بالحقوق والحريات والعدالة والمساواة الإجتماعية، بهدف إلغاء الفوارق بين الطبقات وتساوي المجتمعات بالحقوق والمسؤوليات.
تلقى تعليمه مبكراً في قرية بيت الأشول، وفي مدرسة يريم، ومدرسة دار سعيد، ليلتحق بعد ذلك بالمدرسة العلمية (دار العلوم) في العاصمة صنعاء عام 1951م، ثم شق طريقه العلمي إلى أن تخرج من الكلية الحربية عام 1960، ضمن الدفعة الثانية قبل الثورة، برتبة ملازم ثاني، ليلتحق بعد ذلك بمدرسة الأسلحة - جناح المدرعات.
ساهم الأشول في الحركة السياسية والثورية للطلاب وهو في سن مبكرة، وكان له نشاط مميز في التوجيه والتعبئة الثورية، بالإضافة إلى مشاركته في اللقاءات الثقافية والمظاهرات الطلابية وإلقاء المنشورات التعبوية. عمل مع عبد المغني على التنسيق والتحضير والإعداد للثورة قبل إعلانها بعامين، فتم اختياره أميناً لسر تنظيم «الضباط الأحرار»، كما انتُخب أميناً لصندوق الثورة في أغلب دوراته الإنتخابية.
يقول الرئيس عبد الله السلال، في روايته الموثقة في كتاب «أربعينية قائد الثورة»: «في الوقت الذي كنت في ميناء الحديدة، وصل وزارني الشهيد علي عبد المغني، ومعه ناجي علي الأشول، واجتمعنا في مكتبي وبدءآ يحدثاني عن فكرة لقيام ثورة يقوم بها الضباط الأحرار في الجيش والأمن، عندما بدأوا الحديث تجاوبت معهم، واتفقنا أن نلتقي مرة ثانية في صنعاء على أساس استكمال الحديث، وبالفعل التقينا أنا وعلي عبد المغني، وناجي علي الأشول، وصالح الرحبي، في حي شعوب، بصنعاء، وقالوا لا بد من قيام ثورة، والضباط الأحرار يهيئون أنفسهم ويستعدون لإقتلاع النظام الإمامي من الجذور، وبعد أن اتفقنا على ذلك، قالوا بعد أن نستعد ونتهيأ سنبلغك بالموضوع». يضيف الرئيس السلال: «بصراحة... لم أكن أثق بأحد، إلا بصالح الرحبي، وعلي عبد المغني، وناجي علي الأشول، هؤلاء الثلاثة هم الذين كانوا الصلة بيني وبين الضباط الأحرار».
في ليلة تفجير الثورة كان الأشول المسؤول الأول عن حماية مبنى قيادة الثورة، الكلية الحربية سابقاً، مبنى العرضي - مجمع وزارة الدفاع حالياً، حيث كانت تتوفر فيه كل مخازن الثورة وذخائرها وأسرارها. وفي الأيام التي تلت الثورة، عند اشتداد المعارك مع الملكيين، تصدر المواجهة قائداً في معارك تنعم، بني سحام، وخولان.
في حصار السبعين يوماً، وضع الأشول خطة الدفاع عن صنعاء، تلك الخطة التي تكللت بالنجاح بعد فشل العديد من الخطط التي وضعها الخبراء الروس والمصريون والسوريون قبل رحيل بعثاتهم الدبلوماسية من اليمن، إضافة إلى أنه كان المسؤول عن المحور الجنوبي في صنعاء في تلك المعركة الفاصلة.
بدأ كفاحه الثوري عضواً في أول لجنة قيادية لتنظيم «الضباط الأحرار»، وأميناً لسر التنظيم، ثم عضواً في مجلس الدفاع الوطني الأعلى، ليتعين بعد ذلك مديراً لشعبة التنظيم والإدارة، من ثم مديراً للعمليات الحربية عام 1963. وفي منتصف الستينيات عُيّن مديراً للتسليح العام، ليكون بعد ذلك رئيساً لشعبة المخابرات الحربية، ثم قائد سلاح المدفعية مرتين في الستينيات والسبعينيات. وفي 1970عُين قائداً للجيش النظامي، ليتعين عام 1986 نائباً لرئيس الأركان للشؤون الإدارية. وفي 1986 عُين مديراً لمكتب التجنيد، ومستشاراً للقائد العام للقوات المسلحة، ومستشاراً لرئيس الأركان العامة حتى نهاية الثمانينيات.
ختم ناجي علي الأشول حياته المهنية معلماً في الكلية الحربية، ومحاضراً في كلية القيادة والأركان، إضافة إلى عضويته في مجلس النواب، ورئيساً للجنة الدفاع والأمن حتى وفاته سنة 1992م. قبل ذلك، حصل على شهادة تعليمه من دار العلوم، وشهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية، كذلك شهادة الماجستير في العلوم العسكرية بتقدير ممتاز. كما حاز على جائزة البندقية الذهبية، ووسام 26 سبتمبر من الدرجة الأولى - نوع عسكري، كذلك وسام الواجب والخدمة، ودرع صحيفة «26 سبتمبر» تقديراً لكتاباته.
من بين أهم مؤلفاته، كتاب «الجيش والحركة الوطنية في اليمن 1919 - 1969م»، و«فن القيادة العسكرية»، وأيضاً كتاب «حرب العصابات». كما شارك في توثيق كتاب «أسرار ووثائق الثورة اليمنية» مع لجنة من تنظيم «الضباط الأحرار»، وله العشرات من المقالات والكتابات في صحيفة «26 سبتمبر» ومجلة «الجيش».
خمسة وخمسون عاماً هو ميلاد الثورة. بعض أبطالها ودّعوها في ليلتها الأولى، لكنهم خالدون، والبعض الآخر فارقها خلال الثماني سنوات حرب التي تلتها، وهم، أيضاً، مخلدون، فيما استمر من كُتبت لهم الحياة مناضلين في سبيلها، مُقدسين لقيمها وثوابتها، غارسين في جذور الأجيال محبتها، إلى أن فارقوها باسمين، واليوم، وهم يرونها في عيدها الخامس والخمسين، رغم الصعاب، تزدان ابتساماتهم وتتلألأ، ليطغى جمالها على النجوم في السماء، ومن بينها ابتسامة أمين سر «سبتمبر»، المناضل ناجي علي الأشول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق