أنور حامد الدليمي*
______________
لايمكن فهم الصراع في سورية دون الحديث عن الغاز الطبيعي السوري، لا بل ان احد اهم عوامل الازمة السورية التي لايتم ذكرها غالبا, هو الصراع الخفي بين الشرق والغرب حول خطوط انابيب الغاز الطبيعي والاكتشافات الحديثة في الساحل السوري في شرق المتوسط وحتماُ ان توفير الطاقة والبحث عنها هو أصل البقاء لأي دولة، الامر الذي يقودنا إلى القول إن اغلب الصراعت هي صراعات ذات منشأ اقتصادي، فعلى سبيل المثال يلعب الموقع الاستراتيجي الذي تملكه سوريا دوراُ متميزً، حيث أهلته هذه الوضعية الجيوستراتيجية العالمية بأن يلعب دورا أساسيا في الصراع الدائر في سوريا، بل أصبح رهان الجميع للتحكم فيه... لذلك ان الصراع الطاقوي في سوريا قد يكون المفتاح الرئيسي لانهاء اخطر الصراعات الدموية والاظطربات الداخلية التي تمر بها سوريا اليوم.
دوائر الصراع الاقليمي والدولي في سوريا
أصبحت سوريا ساحة معركة للقوى العالمية والإقليمية – بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل – الذين يستخدمونها كمكان للسعي وراء مصالحهم الخاصة والسيطرة على مناطق احتياط الغاز الطبيعي الواقعة بها ولاسيما تلك المطلة على ساحل شرق المتوسط، التي تزخر بكميات كبيرة من الغاز الطبيعي، اذ سبق أن تم الكشف عن بعض المعلومات حول المخزون الغازي الموجود في شرق المتوسط، بحراً وبراً، ليس في سوريا فقط بل في لبنان وفلسطين ايضا, وبعد أن تصدر الغاز الطبيعي مصادر الطاقة في العالم، مع اقتراب موعد نظوب النفط لبعض المناطق وتراجع أسعاره، لتصبح تلك المنطقة المذكوره الغنية بالغاز مسرحاً لصراع المصالح الدولية.
لذا ان قاعدة هذا المصدر واسعه عند مقارنتها بالمستويات الراهنة وتلك في المستقبل المنظور للطلب على الغاز في المنطقة, من خلال امكانياته المتنامية كعامل اقليمي وعالمي رئيسي اخذت تتضح على نحو متزايد.
وعلى الرغم من ان الحرب السورية هي بكل مدخلاتها ومخرجاتها اصبحت فوضى كبيرة مربكة، الا ان المعركة الخفية حول خطوط انابيب الغاز اصبحت تغذي اكثر الصراعات في سوريا،إذ ترى روسيا أن الاهمية الاستراتيجية التي تحظى بها سوريا يجعلها النقطة الاساسية في اللعبة الجيوبوليتيكة الجديدة، لذا فهي تسعى ليس فقط من اجل ظمان بقاء دائم ومركزاً جديداً للتوسع الروسي في المنطقة، وعدم افساح المجال للنفوذ الغربي للتغلغل هناك، وهو ما يجعلهم ينظرون الى لعبة التنافس الدولي على الغاز الطبيعي السوري على انها لعبة صفرية ما يعد فيها مكسبا لروسيا يعد خسارة للغرب والعكس صحيح.
من هذا المنطلق ترى روسيا بان تحسن ادارة امداد الغاز الطبيعي للاتحاد الاوروبي يجعل الاخير تحت نفوذها الاقتصادي لاسيما وان اكثر من 75% من الغاز الطبيعي الذي تنتجه شركة غازبروم الروسية التي تسيطر عليها الدولة يباع إلى الاتحاد ألاوروبي، لذا فإن الحفاظ على هذا السوق الحيوي مهم بالنسبة لروسيا, بالمقابل ان الهدف الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي لايتبنى طموحاته من خلال الاعتماد على روسيا للحصول على الغاز بل كسر هذه التبعية من خلال تقليل اعتماده تدريجيا، وهي الخطوة التي تدعمها الاستراتيجية الامريكية الجديدة لأنها من شأنها إضعاف النفوذ الروسي على أوروبا.
وعلى الرغم من ان سياسة تنويع قاعدة الامدادات للغاز الطبيعي وعدم تحقق مشاريع التصدير الروسية، بات هدفاً استراتيجياً للغرب من خلال قطع خطوط الغاز الروسي الى اوروبا, ومن خلال النظر إلى الصراع في سوريا من تلك الزاوية ايضا، نجد أن التمسك الروسي بنظام الأسد يحقق مكاسب استراتيجية، تتلخص اولاً: بمنع مرور الغاز القطري الى الاسواق الاوروبية عبر الاراضي السورية, خاصة وان قطر تسعى الى كسر احتكار روسيا لتصدير الغاز إلى أوروبا، وتعزيز من مكانتها المتضائلة لدى الدول الأوروبية وأمريكا,ك. وثانيا: منع تركيا من الحصول على أية منافع اقتصادية من مرور الغاز القطري عبر أراضيها إلى أوروبا.
كما يسمح بقاء الأسد بوصول الغاز الإيراني إلى الموانئ السورية على البحر الأبيض المتوسط، إذ تسعى روسيا لإبرام عقود مع إيران طويلة الأمد، تتمكن من خلالها روسيا من تصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا، على غرار العقود التي أبرمتها مع تركمنستان وأذربيجان للحصول على إنتاجها من الغاز بأسعار زهيدة، وإعادة تصديرها بالأسعار العالمية للدول الأوروبية، نتفهم من ذلك ان روسيا تستخدم الغاز الطبيعي ورقة لعب مريحة الى حد بعيد، يمكن استخدامها في الألعاب السياسية.
من ذلك يتبين ان اقوى الاسلحة لدى روسيا في الحوار مع الغرب هي خطوط انابيب الغاز, لان النفط يمكن الاستعاظه عنه ويمكن نقله بناقلات النفط، لكن احتكار رروسيا لخطوط انابيب الغاز المارة من الشرق الى الغرب يمكن بالنتيجة استخدامها كاداة لتمرير مصالح سياسية ومواقف صلبة في حال التحدي، أو في حال الالتفاف حول روسيا وتوفير مصادر جديدة للغاز الاوروبي وهنا يصبح دور سوريا اكثر اهمية للطرفين .
دور”الغاز الطبيعي” في اشعال خلفيات الصراع في سوريا
إن كل ما يدور في الحرب السورية من حلقات دموية واحداث داخلية مضطربة تتطلب نظرة أبعد وأعمق من المشهد الآنى، فعندما ندرك قيمة المصالح الاقتصادية فى صراع معين، سنفهم جيدًا كل أبعاد وخلفيات ما يدور، فالمال هو عصب الحروب, ووتيرة الأحداث المتسارعة والمضطربة التى تزداد سخونة فى سوريا هي فى الأساس من أجل الثروات والمصالح الحيوية لدول كبرى وإقليمية.
والديناميات الاساسية التي جعلت الغاز الطبيعي السوري المحرك الرئيسي للازمة السورية وهي الاتي:
دخول روسيا الاتحادية على خط المواجهة الأول لجانب الدولة السورية وبطلب منها في أيلول 2015، حيث ترى موسكو أن أمنها القومي يمر من دمشق، ويجب القضاء على الإرهاب في سوريا والمحافظة عليها وعدم السماح للأطلسي بالتمدد إلى شرق المتوسط، هذا الى جانب التحكم بخطوط الغاز في سوريا دفاعًا عن مخالبه النفطية بأوروبا.
خط أنبوب الغاز القطري الذي كان من المفترض ان يمر عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا وتركيا إلى أوروبا، الذي لم توافق عليه الحكومة السورية كان احد أهم الأسباب التي أدت إلى اشتعال الحرب في سورية قبل ثمان سنوات إلى الان.
التواجد العسكري الامريكي في شرق سوريا، شرق الفرات صعودا من بعد البوكمال الى الحدود العراقية، من خلال القاعدتين العسكريتين في كل من “تل حجر في الرميلان” وقاعدة “التنف غرب الانبار” هو بالحقيقية ليس محاربة تنظيم «داعش»، بل «الاستيلاء على أصول اقتصادية في سوريا», مايؤكد ذلك «إن بقاء أمريكا فى سوريا مشروط بنجاح مشروع التقسيم وبالسيطرة على حقول النفط والغاز».
اعلان تركيا للمرة الأولى عن قيامها بعمليات مسح للمناطق البحرية لها في مياه البحر المتوسط في إطار خطوات تمهيدية لبدء طرح هذه المناطق للتنقيب عن الغاز، فهي تحاول أن تنهي اعتمادها على روسيا التي أصبحت منافسًا سياسيًا لها، وتحاول أن تجعل من نفسها مركزًا لنقل الغاز الآسيوي إلى الأسواق الأوروبية.
الاستفادة العظمى لروسيا من الغاز السوري وخطوط امداداته
لاشك ان سورية تعد من خلال موقعها الجغرافي المميز وسيطاً لصادرات النفط والغاز بين الدول المنتجه والمستهلكة, الامر الذي يمكنها من اتخاذ مواقف قائمة على المصالح الجيوسياسية والاقتصادية المباشرة ، ولاسيما مع دول تربطها بعلاقات وثيقة مثل روسيا وإيران.
فبالنسبة لروسيا فانها تحرص على عدم إقدام أطراف أخرى على زيادة إمداداتها بطريقة تنافس روسيا في سوريا”, وكانت شركات النفط الروسية، مدركةً قيمة سوريا كمركز لنقل النفط والغاز أكثر منه دولة مزودة، سعت إلى إيجاد وسيلة للمشاركة في مشاريع الطاقة السورية وليس التنافس معها, وفي ظل الدعوة التي وجهتها سوريا عام 2016، لاحت هذه الفرصة أمام روسيا, وفي حال قبلت شركات الطاقة الروسية طلب سوريا، ستكتسب سيطرة كبيرة على قطاع الطاقة السوري، إذ إنها ستطالب بالقسم الأكبر من الحصص في الاستثمارات المغامرة التي تمدّها بالقوى البشرية والإمدادات المطلوبة, وبهذه الطريقة، سيضمن قطاع النفط والغاز الروسي أن أي بلد يدرس احتمال شحن منتجاته النفطية عبر مرافئ وخطوط أنابيب سوريا سيرغم على التماس رضا روسيا، إن لم يضطر إلى التفاوض معها مباشرة, ونتيجةً لذلك، ستقلل شركات النفط الروسية المنافسة من إيران أو العراق أو قطر أو السعودية كما أن السيطرة على مشاريع مماثلة تعني أن روسيا ستتمتع أقله جزئيًا بالقدرة على التحكم بنحو 50.5 مليار متر مكعب/سنويًا من صادرات الغاز الطبيعي، أي ما يعادل 5.5 مرات أكثر من احتياطيات سوريا كاملة ونحو 27 في المائة من صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسية السنوية.
ومن شأن استثمار روسي كبير في مشاريع الطاقة السورية يبرر استمرار الوجود العسكري في المنطقة، نظرًا إلى أن البحرية والقوات الجوية الروسية لا تعتزم مغادرة سوريا في المستقبل القريب ففي كانون الثاني/ يناير 2017، أبرمت روسيا وسوريا اتفاقًا يمتد على 49 سنة يسمح لروسيا بالإبقاء على أسطولها البحري في ميناء طرطوس، من اجل توسيعه ليشمل 11 سفينة حربية إضافةً إلى غواصات نووية، في وقت صادق فيه مجلس النواب في الجمعية الاتحادية لروسيا “الدوما” في تموز/يوليو على مشروع قانون لإنشاء قاعدة جوية روسية جديدة في سوريا، تجدر الملاحظة أن السيطرة الروسية على أجزاء كبيرة من بنية الطاقة التحتية في سوريا، الأساسية لاقتصاد البلاد، لا تمكّن روسيا من تبرير وجودها العسكري باعتباره دفاعًا عن مصالحها الاقتصادية فحسب، بل أيضًا تمنحها القدرة على ممارسة نفوذ أكبر على الحكومة السورية، ما يضمن دعم النظام لأي سياسات تفضيلية.
وبالتالي يمكن القول ان حقيقة الصراع فى سوريا هو صراع قائم على اساس النفوذ والهيمنة والمصالح الاقتصادية ومصادر الطاقة وطرق إمدادها, فالأطراف المعنية بالصراع على سورية تتحرك فقط من خلال مصالحها, والمنتصر في الحرب السورية سيكون اكبر مصدر للغاز في اوروبا.
*_ وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق