كتب/ عمار الأشول
__________&
السعودية الطويلة العريضة باتت في مرمى قناة «الجزيرة» وتسديدات تميم. الإمارات، كذلك، صاحبة الباع الطويل في الفهلوة والبهلوة، استسلمت لصرخات «الجزيرة». المنامة، هي الأخرى، رغم أنها لا تشكل في ميزان القوى سوى زيادة عَلَم، وصوت يتلاشى بين أحشاء وزير خارجيتها، حتى يتهيأ لسامع هذا الصوت أنه في أحشاء ديناصور وليس في أحشاء بشر، هي الأخرى سقطت تحت صيحات «الرأي والرأي الآخر».
يا للهول! مصر، وما أدراك ما مصر؟ بلاد «أبو الهول»، دولة الفراعنة، وأمُّ ناصر، التحقت، ويا للأسف، بركب ثلاث دول لا تعرف سوى الهزائم. اختارت أن تكون في الأخبار «لحقةً» بعد السعودية والإمارات والبحرين، تخيلوا… بعد البحرين!
حتى تلك الدول المقاطعة لقطر تردّد على الدوام أن حل الأزمة الخليجية يجب أن يكون تحت سقف البيت الخليجي. لا شك في أن المواطن المصري يشعر بالإحراج عند سماع ذلك، فما بالنا بسامح شكري، وعبد الفتاح السيسي؟! لا بد أنهما يغتسلان بالخجل.
صحيح أن القاهرة متضرّرة من الإعلام القطري، هذا الإعلام الذي لا ينكف عن ممارسة «الكيد» تجاهها، خاصة ضد المؤسسة العسكرية المصرية، إلا أن التحاق مصر بما سُمّي بـ«الدول المقاطعة» كان نكسة ثانية؛ حيث أنه كان بإمكانها أن ترد على قطر رداً شافياً مع الإحتفاظ بمكانتها وهيبتها.
لا داعي للقلق على ما آلت إليه الأحداث في الدول الخليجية، حتى وإن دعت قطر، مؤخراً، إلى تدويل الحج. هي مجرد فقاعات إعلامية سرعان ما ستصطدم بأول نسمة هواء، وفي الأخير، بعد أن يملّوا من «الزعيق» في وجوه بعضهم، سيتصالح الخليجيون، وستجمعهم في نهاية المطاف، عبارة «طال عمرك». من يعرف خصال البدو وطباعهم يفهم ذلك جيداً، ناهيك عن المصالح المشتركة والأنساب المتداخلة بين الحكام، والشعوب أيضاً. إن كان هناك من قلق أو حزن، فهو، فعلاً، على مصر، على مكانتها وهيبتها؛ حيث أنه كان بمقدورها أن تلعب دوراً أهم وأسمى وأعظم. كان بإمكانها، مثلاً، أن تقود وساطة لحلحلة الأزمة، ومن ثم تؤدّب المسيء، بالطريقة نفسها التي يؤدّب فيها الأخ الأكبر أخاه الصغير.
لقد استطاعت قطر رفع صوتها على مصر، من خلال وعبر الدول الثلاث، أما دول الخليج مجتمعة، فمهما طال خلافها، ستجمعها رائحتا النفط والغاز، وأكثر من ذلك عبارة «طال عمرك»، بينما ستظل القاهرة بعيدة كل البعد عن تلك الروائح، وبعيدة أكثر عن ترديد «الصرخة الخليجية».
من الواضح أن سياسة مصر الجديدة لم تنجح في تقمص سياسة ناصر التي كانت تفوح بالعظمة، كما أنها فشلت في محاولة اللعب بالماء والنار التي كان يلعبها السادات كلما أشعل غليونه، وأخفقت أيضاً في انتهاج براغماتية مبارك، الذي كان يلعب بخفة على الحبال مع محافظته إلى حد معقول على هيبة مصر. إنها السياسة الجديدة التي لم تجرّب السير على ركب السابقين، وتسعى لرسم سياسة خاصة ومنفردة. لا يهم؛ المهم أن تظل مصر التي نعرفها ونحبها، والأهم ألا تتقزم حتى تصير بحجم قطر أو البحرين أو أصغر!
هاهو الفيلم الهندي في نهايته، حتى وإن طفى على السطح تصريح عنتري هنا أو ناري هناك. ماذا تبقّى بعد أن قبض المخرج الأميركي حصّته، واستلم المنتج البريطاني رصيده، فيما حصدت فرنسا وألمانيا كل بقدر ثمارهما، أمّا تركيا، فقد ابتلعت كعكة كبيرة لم تكن تتوقعها أوتحلم بها، حتى أنها كادت أن تختنق لولا لطف راعي البقر. لنعترف... لقد انتصر الأمير الوسيم، وكان الفيلم من بطولته، في حين تورّطت مصر بهذا الدور، لكنهُ في النهاية مجرد فيلم.
نقلا عن موقع العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق