معاذ الحيدري
_________&
في اليمن فقط يحدث أن تكون صحافيًا، وترفع صورة تضامنية مع زميل صحافي معتقل صدر في حقه حكم بالإعدام، وبعد أيّام من الوقفة تكون أنت الضحية، ويُحكم عليك بالإعدام من دون سابق إنذار أو ترتيب مسبق من قبل الجماعة نفسها التي تعتقل الصحافيين وتقوم بمحاكمتهم.

إلى جانب مقتل الثلاثة، أصيب اثنان آخران، من زملائهم كانوا إلى جوارهم وفي المكان نفسه، وبالطريقة نفسها وهي استهدافهم بقذيفة من طرف جماعة الحوثي أثناء تغطيتهم المعارك..
أن يُقتل ثلاثة صحافيين ويجرح اثنان آخران في يوم واحد، مسألة مفزعة بلا شك، فالصحافيون في اليمن باتوا يتعرّضون للقتل والخطف والاعتقال والمحاكمة بشكل شبه يومي، هنا، يؤكد، الكاتب اليمني خالد الرويشان، أنه في العالم كله ومنذ سبعين عامًا لم يحدث أن قُتل ثلاثة صحافيين مصوّرين في لحظة غدر واحدة كما حدث في تعز؛ ووحدهم الانقلابيون فعلوها في تعز، من بين كل مجرمي العالم وفي كل حروب الدنيا، يغتالون الكاميرات، يقنصون المصوّرين وهم يحملون كاميراتهم عيانًا".
وبحسب وكيل نقابة الصحافيين اليمنيين نبيل الأسيدي، وفي حديثه مع "جيل"، فإن واقع الصحافيين اليمنيين يعتبر من أسوأ الأوضاع الصحافية في العالم، ويُصنّف في أدنى مراتب الحرية الصحافية، وتصنّفه منظمات دولية في المرتبة العاشرة في الدول الأكثر انتهاكًا للحريّات الصحافية، وأيضًا صنف اليمن ضمن ثلاث دول أشد خطرًا على حياة الصحافيين في العالم، من قبل المنظمات الدولية، كما أن الاتحاد الدولي للصحافيين يصنف اليمن رابع دولة من حيث الخطورة على حياة الصحافيين.
وبلغ عدد الصحافيين القتلى، خلال العامين الماضيين، وحتى الآن طبقاً للأسيدي، 24 شهيدًا، وهذا رقم مهول جدًا خلال عامين، حسب تعبيره، إضافة إلى أكثر من 150 صحافيًا تم اختطافهم خلال هذه الفترة، وما يزالون يقبعون في المعتقلات والسجون وتجري محاكمة أكثر من 35 صحافيًا منهم، وقد صدر في حق أحدهم ويدعى يحيى الجبيحي حكم بالإعدام. وهذه خطوة مفزعة وباعثة على القلق وتنذر بمخاطر كبيرة، بل تجعل الصحافيين محطة استهداف مباشرة.
يقتلون في الميدان من دون مقابل
يعمل الصحافيون اليمنيون في مناطق النزاع من دون أدنى حماية، أو ضمانات للتأمين على حياتهم، عدا أولئك الذين يعملون لمصلحة وسائل إعلام أجنبية وبعض الوسائل العربية، بحسب الصحافي اليمني جمال حسن.
يقول حسن في حديث إلى "جيل": "قُتل ثلاثة صحافيين في تعز، وأصيب اثنان بقذيفة حوثية، بينما كانوا يقومون بتغطية أخبار المعارك. أحد الضحايا وائل العبسي يعمل لدى قناة اليمن التابعة للحكومة الشرعية، والتي ما زالت تبث من الرياض، وبحسب ما تضمّنته معلومة نشرها أحد الزملاء، فهو لم يقتصر وجوده في مكان خطر تشهدها منطقة النزاعات بسبب استغلال ظروفه المادية والمعنوية براتب هزيل، بل إنه لم يتلقّ راتبه منذ خمسة أشهر".
في اليمن، يعاني الصحافيون من الاعتقالات، ومن البطالة إضافة إلى تلك الظروف التي تعرّضهم للاستغلال. فالجميع يتعامل معه كآلة لاستخراج المعلومة والخبر دون النظر إلى تأمين حياته، بل ودون منحه ما يستحقه. هنا، يشير حسن بالقول: "لديّ صديق يعمل مراسلًا لإحدى الصحف العربية، ويدأب لتقديم عمل مميّز، ربما لديه راتب، ولكن قد يتعرّض للاعتقال في أية لحظة، أو ربّما الإخفاء، الصحافيون ليسوا دائمًا أناساً أسوياء أو طيّبين، لكنهم في اليمن يعيشون ظروفًا مزرية، ليس فقط على الصعيد الاجتماعي، بل ينعكس ذلك على ثباتهم المهني والتزامهم دون التحيّز لطرف من الأطراف، لذلك على الأقل، سنطالب بحماية الصحافي واحترام حياته التي يخاطر بها. على الأقل أولئك الذين يتطلّب عملهم تغطية معارك، ونزاعات مسلّحة".
يرى الصحافي وليد البارة، أن الصحافيين هم مرآة الحقيقة، وبما أن اليمن يعيش حالة حرب وأغلب الأطراف متورّطة بشكل مباشر بجرائم، ولا سيما الانقلابيين والجماعات المتطرّفة، فإن الصحافيين هم الشاهد الوحيد، ووجودهم يشكّل خطرًا على أمراء تلك الجماعات، لذا نجد أن الجماعات الإرهابية والمليشيات الانقلابية، استخدمت استراتيجية محو آثار الجريمة، أي تصفية الخصم مع الشاهد لمحو أي آثار انتقامية أو قانونية قد تطاولهم في المستقبل؛ وفي ظل غياب الدولة في اليمن، نجد أن الصحافيين دفعوا ثمنًا باهظًا، إذ غيّب القتلة العديد منهم لا لشيء سوى إخفاء الحقيقة، وإبقاء القتلة بعيدين عن أعين المجتمع وسخطه.
يشرح الصحافي ياسين العقلاني، واقع الصحافيين في مدينة تعز، قائلًا: "معظم العاملين في مجال الصحافة مبتدئون وغطوا أحداث الحرب ونقلوا قصص ومعاناة السكان، ولكن دفعوا ثمن ذلك، ليس لأنهم صحافيون، ولكن لأنهم من سكان هذه المدينة، هنا الكل مستهدف رجالًا ونساءً، أطفالًا وشيوخًا، المليشيات لا تفرّق بين عسكري ومدني، الجميع هنا يدفعون ثمن صمودهم أمام المليشيات الانقلابية".
ويؤكّد العقلاني في حديث إلى "جيل"، أنه منذ اليوم الأول للحرب شنت المليشيات هجمة وحشية عليهم واعتقلت العشرات وأغلقت الوسائل الإعلامية، معلنة بذلك حربًا على الإعلام في محاولة لتكميم الأفواه، لكن مهما حدث من قتل وترهيب للصحافيين لن يستطيعوا إسكاتنا عن نقل جرائمهم، وسنظل في الميدان لننقل للرأي العام المحلّي والخارجي الصورة الحقيقية لهذه المليشيات التي تجرّدت من كل معاني الإنسانية".
الصحافي مجرّد بيان نعي
يومًا بعد آخر، تزداد حدّة المخاطر أمام الصحافيين اليمنيين وتتحوّل بيئتهم الصحافية إلى بيئة غير آمنة وغير صالحة للاستمرار في العمل، فهناك من غادر هذه البيئة إلى خارج البلاد وبعضهم إلى مناطق ومدن يمنية بعيدة عن المخاطر نوعا ما، في حين أن جزءاً آخر من الصحافيين لم يتمكّن من ذلك ولم تسمح لهم الظروف، وأجبروا على البقاء بشكل أو بآخر.
يقول الصحافي، زكريا الكمالي: "الصحافة كانت الضحية الأبرز للانقلاب والحرب التي تلته. ومنذ أكثر من عامين، تعرّضت الصحافة في اليمن لهزات عنيفة، لم تقتصر على إغلاق الصحف والقنوات ومصادرة وسائل الإعلام الرسمية، بل تم اعتقال الصحافيين ووصل الأمر إلى صدور أحكام بالإعدام ضدّهم، كما تم تشريد العشرات خارج البلاد، ومن حرص من الصحافيين على الاستمرار في عمله في هذه البيئة غير الآمنة، كان عُرضة للموت، وشاهدنا كيف كانوا عُرضة للقنص المباشر والاستهداف بقذائف بمدينة تعز".
ويضيف الكمالي: "نحن نعيش في عصر أسود، ونعرف أن الصحافي أصبح مجرّد هدف مشروع للقتلة، ومجرّد بيان نعي للنقابة والاتحاد الدولي للصحافيين، ولو كان هناك تحرّك فاعل منذ اندلاع الحرب يهدف إلى إدانة الأطراف المنتهكة للصحافة والصحافيين ومحاكمتهم كمجرمي حرب، لم نكن سنشاهد استمرار الانتهاكات وسقوط هذا العدد من القتلى خلال عامين".
وينصح الكمالي الصحافيين في هذه البيئة العدائية، بعدم الاستسلام لتكميم الأفواه وممارسة مهنتهم بأي الوسائل، ولكن ليس بالشكل المتهوّر، والتوغل في مناطق النزاع المشتعلة التي لا تتوفّر فيها أدنى معايير السلامة المهنية، فلا نريد سقوط المزيد من الأرواح بحسب تعبيره.
نقابة الصحافيين مطاردة
يطرح بعض الصحافيين العديد من النقاط المتعلّقة بالواقع الصحافي في اليمن، منتقدين نقابة الصحافيين وغياب دورها تمامًا، وصار دور هذه النقابة منحصرًا في إصدار البيانات فقط دون التحرّك الفعلي على المستوى المحلّي والدولي للحدّ من هذه المخاطر التي يتعرض لها الصحافيون وبشكل ملفت.
موقع "جيل"، طرح هذه الإشكالية على وكيل نقابة الصحافيين نبيل الأسيدي، والذي قال: "نقابة الصحافيين تعرّضت للعديد من الانتهاكات بما فيها إيقاف كافة مستحقاتها المالية والاستيلاء عليها من قبل البنك المركزي منذ عامين، وأيضًا إيقاف رواتب الصحافيين الموظفين في النقابة.
إلى حد هنا النقابة مشلولة تمامًا، وتعرّضت النقابة لمحاولة إغلاق أكثر من مرّة، وأغلقت مرتين من قبل المليشيات الانقلابية، وتم أيضا اقتحام عدد من منازل أعضاء مجلس النقابة، بمن فيهم من شُرّدوا خارج الوطن، وهناك من فرضت عليهم الأوضاع السكوت والانزواء، حتى لا يتعرّضوا للمخاطرة، ومنهم من انتقل إلى مدينة تعز وغيرها، ولهذا النقابة كانت وما زالت جزءا من الحملة، وكجزء ممنهج من الانتهاكات للصحافة والصحافيين ونحن نتعامل مع مليشيات ليس لها أي مستند قانوني أو أخلاقي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق