هشام محمد
"إن الحرب يجب أن تخاض دوما من أجل السلام" (هوغو دي غروت).
يؤكد لنا التأريخ أن الجيوش التي تخوض حروبها المختلفة التوجهات - سواء كانت حروباً توسعية أو تبشيرية أو لأي هدف آخر - وتستند إلى موجهات دينية أو أيديولوجية، هي أكثر الجيوش استعداداً لاستباحة كافة الأعراف الدينية والعالمية وحتى القبلية والإجتماعية، وارتكاب المجازر والفظائع بحق الأبرياء. وبالرغم من النماذج التاريخية للمجازر البشرية المهولة التي لسنا بحاجة إلى إعادة ذكرها، ما زالت تجارب تلك المجازر تتكرر بشكل أكثر حداثة، والفرق بين الحالتين هو أن اليوم صار هناك تراكم تاريخي للأعراف وأخلاقيات الحروب، التي أنضجتها سنوات التاريخ وتجاربه المريرة؛ تراكم جعلها أكثر تجريماً خاصة لدينا، مع ادعاء وجود إرث ديني يؤيد ذلك التجريم.
نستعيد كل أدبيات وأخلاقيات الحرب، لنتأكد أن الحروب التي تشن اليوم ليست ذات أسباب ضرورية كالدفاع عن النفس، أو الحفاظ على الحياة. نتحدث عن انتهاكات الحرب الدائرة حالياً في اليمن، عن انتهاكات ممنهجة بل ومتعمدة لكافة الأعراف الدينية والقبلية والأممية، أقول متعمدة لاعتبارات توافر الوقت لدى قادة الحرب للتقييم، والتخطيط لتلافي حدوث انتهاكات، كالتأكد من خلو الأماكن المستهدفة من المدنيين. ليس ذلك فقط، بل إن تكرار تسلي القناصة باستهداف كل كائن حي يمر في محيط الرؤية لعدساتهم يدل على تبني وتشجيع القيادات العليا لتلك المنهجية الإجرامية وليست حوادث فردية، مثلها أيضاً استهداف الطائرات للعمارات السكنية في أوساط الأحياء لمجرد الإشتباه بتواجد شخص ما في القائمة، أو قصف صالات العزاء أو الأفراح.
إن الحروب العادلة تضع اعتباراً لعدم حدوث انتهاكات أو عدم منح الفرصة للأفراد المتعصبين المقاتلين في صفوفها، بل إن الحرب العادلة تحترم القوانين والأعراف الدولية، وتعمل على عدم استهداف المدنيين بأي شكل كان، بل إنه في حالة توفر قليل من الشك أو المؤشرات التي تدل على احتمالية سقوط مدنيين يكون الإنسحاب من المعركة هو الخيار الذي تفرضه أخلاقياتها، بل حتى منطق حسابات الربح والخسارة. ولأن الحرب التي تشن في مناطق كثيرة في اليمن ليس هدفها الإنسان، فهي تستهدف كافة أشكال الحياة بشكل رئيس، بل إن طول فترة استمرار الحصار على المدن - كتعز - يعزز ذلك التوصيف، كون الفترة تسمح بتقييم الوضع، للتعرف على أن المتضرر كان المدنيين، وذلك في عرف القانون العرفي الدولي هو جريمة حرب.
لقد كانت اتفاقية جنيف الأولى عام 1864 استجابة من القوى المتحاربة لنداء هنري دونان، الذي دعا إلى وضع قوانين للحرب بعد مشاهدته لمجزرة معركة دارت بين القوات الفرنسية والنمساوية.
في حروب اليوم، أصبح قادة الحرب - المتشدقون بالأخلاق وأفضلية الدين - يصرحون علناً باستعدادهم للتضحية بالشعب في سبيل مراهقاتهم الدموية، وإذا كانت الحروب يخوضونها لأجل حياة الشعب (الإنسان) فإنه لن يكون هناك إنسان ليحكموه عندما تنتهي حروبهم.
إن ترصد القناصة والدبابات لأي مظهر من مظاهر الحياة في الأحياء السكنية في المدن واستهدافها بشكل يومي جريمة حرب، يتم التخطيط والتنفيذ والإشراف اليومي عليها بشكل رئيس من القيادات العليا، كما يحدث في تعز.
وليس من قبيل التعصب أن يتم تصنيف هذه الحرب العبثية التي يخوضها الحوثيون في مختلف المدن بأنها حرب مناطقية؛ فهي لاتمتلك أي مؤشرات لنفيها، بل تؤكدها مؤشرات كطول فترة الإستهداف المتعمد للمناطق السكنية البعيدة عن مسرح المعارك، تفخيخ منازل المدنيين، وزرع الألغام المختلفة الصناعة، واستغلال كل هدنة لتعزيز الموقف العسكري.
إن التجاوز الأخلاقي للحرب ليس مقتصراً على مستوى مناطق الإشتباكات العسكرية فقط، بل امتد إلى المساعدات الإنسانية والمتاجرة بها، وإجبار أسر المعتقلين على دفع مبالغ مالية كبيرة، واستغلال الوظيفة العامة، بل واستغلال عاطفة البسطاء المتعصبين المؤيدين لحشد أطفالهم إلى جبهات القتال.
وبعكس الخطاب الإعلامي الذي يحاول أن يقدمه الحوثيون، فإن الممارسات اليومية تجعل الخطب الرسمية لعبد الملك الحوثي مجرد استهزاء بالمستمع لها؛ وتلك النماذج من التجاوزات الأخلاقية تجعل من هذه الحرب ميداناً للمتعصبين المناطقيين والطائفين لارتكاب ممارسات لا أخلاقية سواء في الميدان العسكري أو الحياة العامة.
المصدر العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق