اخر الاخبار

نـعـــــــــم أنـــــــا راع




عامر بوترعة



لأن أبي ـ منذ أن كان ـ

راعٍ

سلالة جدّ هوته المراعي...

لأن أخي رضع المجد من ثدي أم رعَتْ

فهْو منذ الرضاعة راع..

لأن الشموس إذا أشرقت

تزرع الفجر بين يديْ كل راع

وحين العصافير تعطش.. حين تجوع

تجمِّع أسرابها حالمات

وراء خطى كل راع...

لأنيَ لا زلت أحيا الصبى

بدويّا صدوقا

ومقتنعا بجميع طباعي...

تعاودني كل مكرمة عشت

تصحبني كل مكرمة منذ كنت ابتدأت حياتي

نبيلاً بكل المساعي

لَكَم من خروف حملت لأمي

برغم المسافة فوق ذراعي

تقبّلني الأرض في كل شبر إلى خيمةٍ

لم تزل بعد منصوبة في حنيني

وسوف تظل مدى العمر كل اقتناعي..

لأن الرعاية كنز ثمين أعود إليه

يشرفني أنني ـ العمر ـ راع..

يحاضنني حب شعبي..

وأحضن أرضي رائعة

بين خضر المراعي...

   
نعم... أنا راع.. وألف نعمْ

وأنت التي تشربين الحليب

وتستمتعين متى ما افترشت جلود الغنم

كأنك سائحة للبلاد أتتنا

لتجمع كل العجائب عنا!

تُحضِّرنا.. تخرج البدو منا

تُعلِّمنا كيف نلحق ركب الأمم!

ونحن الذين بعزم وكد

صنعنا مفاخرنا من عدم

.. نعم.. أنا راع

علمت بما ليس غيري علم..

علمت بأن الحياة إباء..

وليست تقال بكلمة فم..

علمت بأن الحياة على ضفة من صراع

وليست على رقصة ونغم..

ولولا الشموس التي أحرقتني

بكل السفوح وكل القمم..

لما كنتمُ في الشواطيء تلهون

والموج من لهوكم يرتطم..

ولولا عصاي ولولا شياهي

لما كنت تدرين معنى النِّعم

ولولا شحوب ترين بوجهي..

لما كاد وجهك يقطر دم..

   
نعم.. أحرس الشمس..

والشمس تعرفني عاشقا مولعا

وتعرفني صامداً أبداً مبدعا..

فزوري ولو مرة قريتي.. رافقي من رعى

لتدري بأن الرعاة عظام

وقد حولوا الأرض للخير من جهدهم مرتعا..

وأن الشياه إذا ما ثغت

وأطفالنا يرقبون الرجوع

وآباؤنا يرفعون الأكف بخير دعا

نحسُّ بأن الحياة نضال..

لأجل الذي كان لابد أن يشبعَ..

نعم.. أحرس الشمس..

أرفض تحت المظلات أن أقبع

وأن أرقب الموج..

فالموج في عَرَقي كم سقى شجرا..

كان لابد أن يطلع..

   
نعم أنا راع.. وألف نعم

ولازلت أشعل قدام خيمتنا النار..

أحترم الضيف.. أعرف معنى القيم..

ولا.. لست أملك سيارة فخمة..

كل ملكيَ شعب عظيم

وأرض أهيم بها.. وعلم

وإني بهذا أعيش فخورا

كما الصقر يفخر بين القمم..
-----------------------

الشاعر: عامر بوترعة (تونس).. ولد عام 1947 في قفصة.. مجاز في الفنون التشكيلية من جامعة باريس.

عمل أستاذ تربية فنية في المعاهد الثانوية, وفي مدارس ترشيح المعلمين, كما عمل ملحقاً بقنصلية تونس العامة بباريس.. وملحقا ثقافيا بالمندوبية الجهوية للثقافة بسيدي بو زيد .
عضو اتحاد الكتاب.

إلى جانب كتابته الشعر كتب المقالة الأدبية والقصة القصيرة , ومارس هواية الرسم .
دواوينه الشعرية : أعود لكم 1977 - نعم.. أنا راع 1987 - وحي الفجر 1990 .

حاز العديد من الجوائز المحلية والقومية آخرها جائزة رئيس الدولة الثانية في مسابقة حول المحيط والبيئة .. توفي عام 1998.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016