اخر الاخبار

الفيدرالية المغدورة






هشام محمد*
  
منذ أن تطرق المتحاورون في موفمبيك 2014م إلى فكرة الفيدرالية، سواء من إقليمين أو من ستة، بدأت بوادر الحالة السياسية الحالية بالتبلور المعقد.

فبينما اعتبرها خبراء التقسيم الإداري مفتاح الحل للمشاكل التي عقدتها المركزية بصبغتها المناطقية البغيضة، وأيدتها معظم المدن التي عانت من تبعية المركز المهيمن على السلطة والمتحكم بتوزيع مشاريع التنمية الحكومية على المدن الأخرى التي هي من يدر الدخل على الدولة، ولا تحصل في المقابل على أي مشاريع تخدم التنمية، في مقابل ذلك رفضت القوى المهيمنة على المركز (تحالف صالح والحوثي) فكرة الفيدرالية، وكما هو متوقع من المركز المستفيد الوحيد من المركزية اعتبر مؤيدي الفيدرالية خونة وانفصاليين وعملاء. 

تلك القوى تعاملت مع بقية المناطق في اليمن على مدى عقود باعتبارها مناطق فيد تابعة وليست شريكة في الدولة، واختزلت في مصالحها الجغرافية مفاهيم عمومية كالدولة والوطنية والتأريخ.

في فترة النقاش في حوار موفمبيك دأب إعلام القوى المهيمنة في المركز على بث خطاب تحريضي ضد فكرة الفيدرالية، ومع شعب ثقافته شفاهية، ونسبة الأمية فيه تقترب من 75 %، استخدم كل الافتراءت للتنفير، ضمن خطة إعلامية تحريضية معتمدة على مبررات ذات مغزى مناطقي، وممنهجة لكسب تأييد أبناء المركز وغيرهم ممن انطلت عليهم حيلة مبررات ذات منطق وطني، كالحديث عن استئثار الأقاليم النفطية بمورد النفط، ومثلها قضية الجيش، والوظيفة العامة، ثم تقسيم البلد... إلخ، بالرغم من وضوح مخرجات الحوار، ووضوح فلسفة الفيدرالية في تلك المواضيع.

كل تلك الافتراءت لا تصمد أمام العودة إلى وثيقة المخرجات، ولا تصمد في أي مناظرة لشرح وجهات النظر المؤيدة والمعارضة، ولذلك اعتمدت تلك القوى على افتراءات وبث الاشاعات، مستغلة الكسل القرائي لدى العامة، والتعصب الجغرافي، ومثيرة استفزاز المجتمع التقليدي، بتبشيرها من سلب المركز المزايا التاريخية والأهمية السلطوية بسبب إقرار الفيدرالية، في نفس الوقت كان الترتيب الجيد قائماً لفرض بقاء السلطة في المركز، مرة أخرى كل تلك التهيئة أوالتحريض لم يكن سياسياً بل كان مناطقياً، وهو ما يتضح من الحرب التي شنها المركز على الأطراف ومبرراتها وذرائعها، التي كانت بمثابة إشعار لبقية الأقاليم بقوة المركز، والقدرة على السيطرة، وأيضاً استعداده لخوض الحرب وتدمير كل من يقف في وجهه للحفاظ على السلطة باعتبارها حقاً حصرياً.

إن التفكير الداخلي الذي يبثه الخطاب المركزي يقوم على العصبية الجغرافية مستخدماً التمييز المذهبي الطائفي (كما يرى الكاتب عبد الباري طاهر)، كوقود يضمن سرعة الاستجابة ويصبغ ما خطط له بصبغة الجهاد الوطني المقدس. في الآونة الأخيرة، واستمراراً للممارسات المناطقية وتأكيداً لها، عمدت سلطات تحالف صالح والحوثي في صنعاء إلى الفرز المناطقي لسكان المدينة، وهو الثاني منذ 2011م، تضمن ذلك الفرز أسئلة حول مكان الميلاد، والوظيفة، وقطع السلاح الشخصي، واللقب، مع ملاحظة أنه في حال غياب اللقب من بطاقة الهوية، يضاف اللقب الشائع في مكان الميلاد.

ذلك السلوك الذي تفرضه القوى المهيمنة على السلطة في المركز تحاول بإصرار أن تجعل منه سلوكاً لدى العامة في التعامل بتمييز مناطقي، باعتبار أن من ينتمون إلى مناطق أخرى هم خونة محتملون، ذلك الاستغفال ينطلي على قليل من الناس، وهم فئة المتعصبين.

بالعودة إلى الفيدرالية المغدورة، فإذا كانت نظرة القوى الفاعلة المهيمنة على المركز إليها باعتبارها استهدافاً لمصالحها الخاصة، وروجت لها شعبياً باعتبارها تمييزاً مناطقياً يستهدف العامة من الناس في إقليم أزال (المركز)، فإن الأمانة العامة لمؤتمر الحوار أيضاً ساهمت بقدر كبير في غموض الفكرة عند المجتمع، وفشلت في مخاطبتة، بل وتعاملت معه بتعالٍ، واكتفت بالتعاقد مع بعض منظمات المجتمع المدني، المحسوبة على مقربين من أعضاء الأمانة العامة لتقديم بعض الأنشطة المجتمعية، ومن المعروف أن رواد أنشطة المنظمات تلك محصورة على نفس الفئة العمرية، بل وأن الوجوه التي ترتادها هي ذاتها.

وبالنظر إلى الوضع الحالي، فإن الحرب التي ما زال يشنها تحالف انقلاب صالح والحوثيين على معظم مناطق البلد، عملت على استنفار العصبيات المناطقية لدى بقية الأقاليم، فتلك الحروب لن تعيد تلك الأقاليم لتكرار التجربة والإذعان للتبعية، بل جعلتها أكثر يقيناً وإصراراً على ضرورة أن تكون شريكاً في الدولة، وليست مجرد مناطق تابعة.

* المصدر: العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016